فإثبت لها الجزع مع كونها لم تعرفه، ومنشؤه أنه لم يجعل الفاء للسببية المحضة، كما جعل المصنف، بل جوز أن تكون عاطفة وزائدة واستئنافية، قال: هذا البيت طريف غريب الحديث، وذلك أنه ليس بجواب، لأنه مرفوع، ولو كان منصوباً جواباً، لكان أوفق معنى، وأسلب طريقاً، ولا قبله أيضاً فعل مرفوع، فيعطف عليه، ولهذا كان غريباً، غير أن هذا وجهه عندي أن يكون قوله:"فتجزع" صفة لقوله: "مرحومة أو صغيرة"، ويكون معطوفاً على جملة قوله:"لم تدر ما جزع عليك"، لأن هذه الجملة صفة لقوله:"صغيرة أو مرحومة"، فكأنه قال: لقد تركت صغيرة جاهلة بالجزع، فجازعة مع ذلك، فلما وقع "تجزع" موقع الاسم، ارتفع، فجرى مجرى قولك: مررت برجل من أهل العلم، ويقرئ الناس فتعطف "يقرئ" على من أهل العلم، حتى كأنك قلت: عالم مقرئ. وإن شئت جعلت الفاء زائدة، كأنك قلت: لم تدر ما جزع عليك جازعة، أي: تركت صبية جازعة وإن لم تعرف الجزع، أي: صورتها صورة الجازعة، وقد يجوز أن يكون قوله: فتجزع مستأنفاً، أي: فهي تجزع، أي: مع انها لا تعرف الجزع جازعة، أي: حالها حال الفاقدة الجدازعة. هذا كلامه باختصار.
والبيت من أبيات أوردها أبو تمام في باب المراثي من "الحماسة" لمويلك المزموم، يرثي زوجته أم العلاء وهي:
امرر على الجدث الذي حلت به ... أم العلاء فنادها لو تسمع
أنى حللت وكنت جد فروقة ... بلداً يمر به الشجاع فيفزع
صلى عليك الله من مقبورة ... إذ لا يلائمك المكان البلقع