نظرت كأني من وراء زجاجة ... إلى الدار من ماء الصبابة أنظر
فعيناي طوراً تغرقان من البكا ... فإغشى وطوراً يحسران فأبصر
وليس الذي يهمي من العين ماؤها ... ولكنه نفس تذوب فتقطر
وأخذ معنى البيت الثالث ابن دريد، فقال:
قلب تقطع فاستحال نجيعا ... فجرى فصار مع الدموع دموعا
وقال أيضاً:
لا تحسبي دمعي تحدر إنما ... نفسي جرت في دمعي المتحدر
وقبل البيت الشاهد:
قد احتملت مي فهاتيك دارها ... بها السحم تردي والحمام المطوق
أربت عليها كل هوجاء رأدة ... زجول بجولان الحصى حين تسحق
لعمرك إني يوم جرعاء مالك ... لذو عبرة كل يفيض ويخنق
وإنسان عيني ... البيت.
قوله:"قد احتملت مي ... الخ" استشهد به الفارسي في أواخر "الإيضاح" على أنه أدخل الكاف في آخر "هاتيك" كما أدخل "ها" التنبيه في أولها، ولا يقال "تي" بغير "ها"، ولا كاف، إنما يقال: هاتي، أوتيك، كما يقال: تلك، ولا يقال: ذيك، والسحم: جمع أسحم: وهو الآسود يعني الغراب، ويردي: يحجل، واحمام المطوق: القماري، وأربت: أقامت، والهوجاء: الريح المنحرفة الشديدة، ورأدة: تذهب وتجيء، وزجول: ذات زجل، وهو الصوت الشديد.
وقوله: لذو عبرة كل يفيض، ويروى "كلا" منصوباً على الحال من ضمير تفيض، أي: تفيض جميعاً لا يتماسك منها شيء، جعل كلا نكرة، ومن رفعها