وعندي غناء، قالت: نعم، أقم فعندي لك ما تحب، وولته نفقتها، فخفف لها، ورأت منه الرشاد والرشاقة فيما اسندته إليه، فأقام عندها حولا، ثم قال لها: ايتها الملكة إن لي بالعراق مالا كثيرا، فإذا اذنت لي بالخروج لحمله فافعلي، فدفعت إليه مالا كثيرا وامرته أن يشتري لها ثيابا من الخز والوشي ولآليء ومسكا وعنبرا وياقوتا ولحوخا، فانطلق حتى اتى عمرا، فأمره فأخذ منه ضعفي مالها، وانصرف نحوها فاسترخصت ما جاء به وردته الثانية والثالثة، فكان يأخذ كل مرة أضعاف مالها يشتري لها جميع ما تريد، فتسترخصه، ووقع قصير بقلبها، ثم بعثت به في الرابعة بمال عظيم وامرته أن يشتري اثاثا ومتاعا وفرشا وآنية، فانطلق إلى عمرو، فقال قد قضيت ما عي، وبقي ما عليك، قال: ومال الذي تريد؟ قال أخرج معي في ألفي فارس من خدمك، وكونوا في جوف الجوالق على كل بعير رجلان، فانتخب عمرو من اصحابه ألفي فارس فخرج بهم، وخرجوا معه في الجواليق كل رجل بسيفه، وكان يسير إيها انهار، فإذا امسى الليل فتح الجواليق يخرجوا ويطعموا ويشربوا ويقضوا حوائجهم، حتى إذا كان بينه وبين مدينتها مقدار ميل تقدم حتى دخل عليها، وقال ايتها الملكة أصعدي من اقصر لتنظري ما اتيتك به، فصعدت فنظرت إلى ثقل الأحمال على الأجمال، فقالت:
ما للجمال مشيها وثيدا ... أجندلا يحملن أم حديدا
أم صرفانا باردا شديدا
فأجابها قصير سرا، فقال:
بل الرجال جثما قعودا
فقال: لما عليها من المتاع الثقيل النفيس، وأمرت بالأحمال، فأدخلت قصرها وكان وقت المساء، فقالت إذا كان غدا نظرنا إلى ما اتيتنا به، فلما جن عليهم الليل فتحوا الجواليق، وخرجوا فقتلوا جميع من في القصر، وكان لها سرب قد أعدته للفزع والهرب إن حل بها روع يخرج إلى الصحراء، وقد كان قصير عرف ذلك