للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الأعلم: الشاهد فيه نصب السباع على إضمار الموافقة لما جرى من ذكرها في صدر البيت، والتقدير: فكرت تبتغيه، فوافقته، ووافقت السباع على دمه ومصرعه. هذا تقدير سيبويه، وقد أنكر المبرد ما ذهب إليه سيبويه في هذا البيت، وفي أبيات هي مثله، فقال: الحمل على المعنى لا يكون إلا بعد تمام الكلام والجملة في قوله: فكرت تبتغيه فوافقته لا تتم، لأنه يريد فوافقته على حال ما، فكيف يضمر فعلاً ينصب السباع، والكلام الأول لم يتم، وقال أبو إسحاق: الأول قد تم، لأن قوله: فوافقته، الضمير للولد وهي كانت تلتمس ولدها، ولم ترد أنها وافقته على حال من الأحوال، فلما كان المعنى يدل على هذا، واحتاج الشاعر إلى إيقاع الموافقة على الولد، أضمر للسباع الفعل الذي دل عليه أول الكلام، ودليله أن الوحشة لما وافقت ولدها متمزقاً يخور في دمه كانت كأنها وافقت السباع تقطعه بمصادفة آثار السباع فيه، والحمل على المعنى يختلف منه لم يأتي بعد تمام الكلام، كقولك: إن زيداً قائم وعمرو، عمرو محمول على موضع إن، ومنه ما يأتي بعد تمام الجملة، وله نظائر، ومنه ما يأتي قبل الكلام مثل قوله عز وجل: (ومِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إلَيْكَ) [يونس/ ٤٢] فحمل الصلة على معنى "من" والكلام لم يتم، والشاهد في قوله: "لن تراها ... البيت" أنه أضمر فعلاً نصب طيباً، ودل على هذا الفعل المحذوف قوله: لن تراها في أول البيت، والفعل المحذوف: إلا ورأيت لها. يصف هذه المرأة بإدامة استعمال الطيب، والمعنى واضح. انتهى كلام الأعلم وابن خلف، وليس فيه أن الرؤية المقدرة فعل قلبي، وإنما قاله ابن جني في "الخصائص"، قال بعد إنشاد قوله: "لن تراها ولو تأملت ... ".

<<  <  ج: ص:  >  >>