وقول الآخر: وقالوا تعرفها المنازل من منى وما كل من وافي منى أنا عارف
يريد: أنا عرافه، ألا ترى أن يحمد، وأصنع، وعارف متهيئات للعمل] في المبتدآت التي هي أخبار لها [وهي مع ذلك مقطوعة عن العمل] فيها [، فحذف الرابط في هذه الأبيات وأمثالها يحسن في الشعر، ولا يحسن في سعة الكلام، بل إن جاء منه شيء حفظ، ولم يقس عليه، فما جاء من ذلك قراءة يحيي:(أفحكم الجاهلية يبغون)] المائدة/ ٥٠ [برفع حكم، التقدير: يبغونه. هذا مذهب المحقيين من البصريين، وأما الكوفيون ومن أخذ بمذهبهم من البصريين، فإنهم يجيزون حذفه في سعة الكلام بشرط أن يكون المبتدأ كلا أو اسم استفهام، نحو قولك: كل الدراهم قبضت، وأي رجل ضربت؟ والصحيح أنه لا فرق بين اسم الاستفهام وكل، وبين غيرهما من الأسماء إذا أدى حذف الرابط إلى تهيئة العامل للعمل، وقطعه عنه. انتهى كلامه.
وقال الفارسي في " الأغفال": إن حذف هذا الضمير مختص بالاضطرار، ويحتمل أن يكون خبر " وخالد " قوله: لا يحمد بالباطل، والجملة بينهما اعتراض وبعد البيت:
جاد بأموال تميم كما ... جاد ابن ذي الجدين في وائل
ويجوز أن يكون الخبر جاد وما قبله اعتراض. انتهى كلامه، ونقلته من " تذكرة أبي حيان".