للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد تقصيت القول على هذا الموضع في كتابي "سر الصناعة" فعلى هذا يجليء قوله:

هما خطتا إما إسار ومنة .. البيت

على أنه أراد: خطتان، ثم حذف النون على ما تقدمه، فإن قلت: فإذا كان بالتثنية قد أثبت شيئين، فكيف فسر بالواحد، فقال: إما وإما، وهما يثبتان الواحد كما تثبته أو؟ فالجواب: أنه تصور أمرين، واعتقد أنه لا بد من أحدهما، وعلم أن المحصول عليه أحدهما لا كلهما، ففسر ما تصوره وهما شيئان، بما يحصل عليه وهو الواحد كما يخص بعد العموم في نحو قولك: ضربت زيداً رأسه، ولقيت بني فلان ناساً منهم، فإن قلت: فهلا حملته على حذف المضاف فكان أقرب مذهباً وأيسر متوهماً حتى كأنه قال: هما إحدى خطتين؟ قيل: يمنع من ذلك قوله: هما، وهما لا يكون في خبره مفرد، ألا ترى لا تقول: أخواك جالس! فلذلك انصرفنا عن هذا الوجه إلى الذي قبله، ويجوز عندي فيه وجه أعلى من هذا الضعيف حذف نون التثنية عندنا، وهو أن يكون على وجه الحكاية حتى كأنه قال: هما خطتا قولك إما إسار ومنة، وإما دم، فتحذف النون على هذا للإضافة البتة. وأما من جر: إما إسار ومنة [وإما دم] فأمره واضح، وذلك أنه حذف النون [من خطتان] للإضافة، ولم يعتد "إما" فاصلاً بين المضاف والمضاف إليه، وعلى هذا تقول: هما غلاما إما زيد، وإما عمر، وهذان ضاربا إما زيد وإما جعفر، وأجود من هذا أن تقول: هما إما خطتا إسار ومنة، وإمادم، وإن شئت: وإما خطتا دم، فإن قلت: "إن "إما" مثل "أو" في أن كل واحدة منهما توجب أحد الشيئين فترجع بك الحال إذن إلى أنك كأنك قلت: هما خطتا أحد هذين الأمرين، وليس الأمر كذلك إنما، [المعنى] هما خطتان: إحداهما كذا، والأخرى كذا، وليست أيضاً كل واحدة من الخطتين للإسار والدم جميعاً، إنما إحداهما لأحدهما على ما تقدم، فالجواب أن سبب جواز ذلك هو أن كل واحد من الإسار والدم لما كان معرضاً لكل واحدة من الخطتين فيصلح أن يصير بصاحب الخطة إليه أطلقا جميعاً على كل واحدة منهما بأن أضيفا إليه، وجعل مفضى له ومظنة

<<  <  ج: ص:  >  >>