للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: فامض بنا، فخرجا، ولا زاد معهما، فسارا ليلتهما ويومهما من الغد حتى ظن أبو كبير أن الغلام قد جاع، فلما أمسى، قصد به أبو كبير قوما كانوا له أعدء، فلما رآهم من بعد، قال له أبو كبير: ويلك قد جعنا، فلو ذهبت إلى تلك النار، فالتمست لنا شيئا، فمضى تأبط شرا، فوجد على النار رجلين من ألص من يكون من العرب، وإنما أرسله إليهما أبو كبير ليقتلاه، فلما رأياه قد غشي نارهما، وثبا عليه، فرمى أحدهما، وكر على الآخر، فرماه فقتلهما، ثم جاء إلى نارهما، فأخذ الخبز منهما، فجاء به إلى أبي كبير، فقال: كل، لا أشبع الله بطنك، ولم يأكل هو، فقال: أخبرني ويحك، كيف قصتك؟ فأخبره، فازداد خوفا، ثم مضيا في ليلتهما فأصابا إبلا، وكان يقول له أبو كبير ثلاث ليال: اختر أي نصفي الليل شئت تحرس فيه وأنام، وتنام النصف الآخر، فقال: ذلك إليك اختر أيهما شئت، فكان أبو كبير ينام إلى نصف الليل، ويحرسه تأبط شرا، فإذا نام تأبط شرا، نام أبو كبير أيضا حتى استوفى الثلاث، فلما كان في الليلة الرابعة، ظن أن النعاس قد غلب على الغلام، فنام أول الليل إلى نصفه، وحرسه تأبط شرا، فلما نام الغلام، قال أبو كبير: الآن يستثقل نوما، وتمكنني فيه الفرصة، فلما ظن أنه قد استثقل، أخذ حصاة، فحذفها، فقام الغلام كأنه كعب، فقال: ما هذه الوجبة، فقال: لا أدري، فقام، فعس، وطاف حول الإبل، فلم ير شيئا، وفعل أبو كبير ثلاث مرات كذلك، وهو ينتبه، فلما رجعا إلى الحي، ترك أبو كبير أمه، فلم يقربها، ووصفه بهذه الآبيات.

وقوله: ولقد سريت على الظلام .. إلخ، المغشم، بكسر الميم، وهو الكثير الغشم، وهو الظلم، والجلد، بفتح الجيم: من له الجلادة، وهي قوة القلب، وقوله: غير مثقل، يعني: كان حسن القبول محببا إلى القلوب.

وقوله: ممن حملن، النون ضمير النساء، ولم يجر لهن ذكر، لكونه معلوما من المقام، وقال "به"، فرد الضمير على لفظ منن ولو رد على المعنى لقال "بهم"،

<<  <  ج: ص:  >  >>