للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يروى من غير وجه أن ابن الازرق أتى ابن عباس رضي الله تعالى عنه يومًا, فجعل يسأله حتى أمله, فجعل ابن عباس يظهر الضجر, وطلع عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة على ابن عباس وهو يومئذ غلام, فسلم وجلس, فقال له ابن عباس: ألا تنشدنا شيئًا من شعرك؟ فأنشده:

أمن آل نعم أنت غادٍ فمبكر ... غداة غدٍ أم رائح فمهجر

حتى أتمها, وهي ثمانون بيتًا, فقال له ابن الأزرق: لله أنت يا ابن عباس: أنضرب إليك أكباد الإبل نسألك عن الدين فتعرض, ويأتيك غلام من قريش, فينشدك سفهًا فتسمعه؟ ! فقال: تالله ما سمعت سفهًا, فقال ابن الأزرق: أما أنشدك:

رأت رجلًا أيما إذا الشمس عارضت ... فيخزى وأما بالعشي فيحسر

فقال: ما هكذا قال, إنما قال: فيضحى وأما بالعشي فيخصر. قال: أو تحفظ الذي قال؟ قال: والله ما سمعتها إلا ساعتي هذه؟ ولو شئت أن أردها لرددتها, قال: فارددها, فأنشده إياها. وروى الزبيريون أن نافعًا قال له: ما رأيت أروى منك قط, فقال ابن عباس: ما رأيت أروى من عمر, ولا أعلم من علي. انتهى كلام المبرد. وأورد الأصبهاني في «الأغاني» هذه القصة من طرق, وفي بعضها أن ابن عباس أنشدها من أولها إلى آخرها, ثم أنشدها من آخرها إلى أولها مقلوبة, وما سمعها قط إلا تلك المرة. قال له بعضهم: ما رأينا أذكى منك, فقال: ما سمعت شيئًا قط فنسيته, وإني لأسمع صوت النائحة, فأسد أذني كراهة أن أحفظ ما تقول. انتهى. وترجمة عمر ابن أبي ربيعة تقدمت في الشاهد السادس.

<<  <  ج: ص:  >  >>