تستدرك الشَّكُّ في الاسم الآخر، فتمضي الكلام على الخبر، ألا ترى أنك تقول: قام أخوك، وتسكت. وإن بدا لك قلت: أو أبوك؛ فأدخلت الشَّكُّ، والاسم الأول مكتف يصلح السكوت عليه، وليس يجوز أن تقول: ضربت إما عبد الله. وتسكت. فلما آذنت إما بالتخيير من أول الكلام، أحدثت لها أن. ولو وقعت إمّا وإمَّا مع فعلين قد وصلا باسم معرفة أو نكرة ولم يصلح الأمر بالتخيير في موقع إمَّا؛ لم يحدث فيها "أن" كقوله تعالى: (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ)[التوبة/ ١٠٦].
ولو جعلت أن في مذهب كي وصيرتها وصلة لمرجؤون تريد: أرجئوا لأن يعذبوا أو يتاب عليهم؛ صلح ذلك في كل فعل تام، ولا يصلح في كان وأخواتها ولا في ظننت وأخواتها من ذلك أن تقول: آتيك إما أن تعطي، وإما أن تمنع، وخطأ أن تقول: أظنك إما أن تعطي، وإما أن تمنع، ولا أصبحت إما أن تعطي، وإما أن تمنع. ولا تدخل أو على إما ولا إما على أو، وربما فعلت العرب ذلك لتآخيهما في المعنى على التوهم. فيقولون: عبد الله إما جالس أو ناقض، ويقولون: عبد الله يقوم، وإما يقعد، وفي قراءة أبي:(وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ)[سبأ/ ٢٤]. فوضع "أو" في موضع إما. وقال الشاعر:
فقلت لهنَّ امشين إمَّا نلاقه ... كما قال أو نشف الصُّدور فنعذرا
وقال آخر:
فكيف بنفس كلما قلت أشرفت ... على البرء من دهماء هيض اندمالها
تهاض بدار قد تقادم عهدها ... وإمَّا بأموات ألمَّ خيالها