قرر بها الجهة التي من أجلها أنكر الحياة ونفاها, لأنه إذا كان أيسر ما لاقاه قائلا كان غير حي. انتهى.
والمصنف وإن وافقه في تقدير همزة الاستفهام, لكنه خالفه في جعل الاستفهام للتعجب, ولهذا قال: والمعنى التعجب من حياته مع تحمله لأعباء الهوى, وصبره على النوى مع شدة جوره عليه, ولم يجعله للإنكار, لأن الاستفهام الإنكاري في معنى النفي, ومع نفي الحياة لا يلتئم قوله: «والبين جار على ضعفي وما عدلا».
ولا جوز ابن الحاجب تقدير الهمزة في «أحيا» , وجوز أن يكون «أحيا» أفعل التفضيل, ورأى أن المصراع الثاني لا يناسب الإنكار قال: قوله والبين جار على ضعفي يقوي الوجه الثاني, لأن الوجه الأول الذي أنكر فيه كونه حيًا لا يحسن أن يذكر بعده أن البين جار على ضعفه, وبالتقدير الثاني لا يلزم ذلك, لأنه لم يتعرض إلا لشدة ما قاساه, وأن غيره يهلك بأقله, لا أنه هلك, وإنما أشار فيه إلى صبره وقوته على ما لقيه. انتهى.
وغالب شراح شعر المتنبي حملوا أحيا على أنه خبر لا إنشاء, وهو الأجود, قال الواحدي: أخبر عن نفسه بالحياة مع أن أقل ما يقاسيه من شدائد الهوى قاتل, يقول: أقل وأهون ما قاسيت قاتل, وأنا مع ذلك أحيا! والفراق جار على ضعفي حين فرق بيني وبين أحبتي, وكنت ضعيفًا بمقاساة الهوى, ولم يعدل حين ابتلاني ببعدهم. انتهى كلامه.
وقال ابن الشجري في «أماليه» أحيا: فعل متكلم, والجملة التي هي أيسر وخبره في موضع نصب على الحال من المضر في «أحيا» , أي: أعيش, وأقل ما قاسيت, وأهون ما قاسيت ما قتل غيري, أخبر بحياته في هذه الحال كالمتعجب, وحقيقة المعنى: كيف أعيش وأهون الأشياء التي قاسيتها في الهوى الشيء الذي قتل المحبين؟ ! انتهى كلامه, فأفاد رحمه الله تعالى أن المراد من الجملة الخبرية هنا التعجب, فإن الجمل الخبرية قد وردت كثيرًا لأغراض سوى