للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنا معه، فأقبل يعللني بالحديث، فعرفت ما يريد، فتناومت وما يأتيني نوم، فقال: ما لها، أنامت؟ فسكت، فلما تهورت النجوم، إذا شيء قد رفع كسر البيت، فقال: ما هذا؟ قالت جاريتك فلانة، قال: ما لك؟ قالت: الشر، أتيتك من عند صبية يتعاوون تعاوي الذئاب من الجوع، قال: أعجليهم. فهببت إليه فقلت: ماذا صنعت؟ فوالله لقد تضاغى صبيتك من الجوع فما أصبت ما تعللهم به! فقال: اسكتي، وأقبلت المرأة تحمل اثنين، ويمشي جانبها أربعة، فقام إلى فرسه فنحره، وكشط عن جلده، ودفع المدية إلى المرأة ثم قال: سوأةً تأكلون دون أهل الصِّرم! ثم جعل يأتي بيتًا بيتًا ويقول: دونكم النار، فاجتمعوا، والتفع بثوبه ناحية ينظر إلينا، والله ما ذاق منها مزعة، وإنه لأحوجهم، وأصبحنا وما على الأرض إلا عظم أو حافر، فعذلته على ذلك فقال:

مهلًا نوار أقلِّي اللَّوم والعذلا ... ولا تقولي لشيء فات ما فعلا

وروي عن أمير المؤمنين علي رضي الله تعالى عنه، أنه قال يومًا: سبحان الله، ما أزهد كثيرًا من الناس في خيرٍ! عجبًا لرجل يجيئه أخوه المسلم في حاجة، فلا يرى نفسه للخير أهلًا! فلو كان لا يرجو ثوابًا، ولا يخاف عقابًا، لكان ينبغي أن يسارع إلى مكارم الأخلاق، فإنها تدلّ على سبيل النجاح! فقام إليه

<<  <  ج: ص:  >  >>