الشرطية، وتقديره: لكنهما لم يفسدا، فلم يكن فيهما آلهة، فالمقدمة الثانية استثناء نقيض التالي، فلازمه نقيض المقدم، ومنه قول النابغة يعتذر إلى النعمان: حلفت فلم أترك .. إلى آخر الأبيات الخمسة. يقول: أحسنت لقوم فمدحوك، وأنا أحسن إليّ قوم فمدحتهم، فكما أن مدح أولئك لك لا يعد ذنبًا، فكذلك مدحي لمن أحسن إلي لا يعد ذنبًا، فقوله:"كفعلك": هو الإلزام، وهذه الحجة تسمى تمثيلًا، وهو القياس المذكور في الأصول، وهو يرجع إلى الاقتراني أو الاستثنائي، إلا أن بعض مقدماته ظنية، وإن كان الاستلزام قطعيًا.
وفي هذه الأبيات إشكال على النابغة من وجهين:
الأول: ادعى أنه مدح أقوامًا فأحسنوا إليه، كما أن أقوامًا أحسن إليهم فمدحوه، وهذا عكس ما فعله هو، وإنما يحصل الإلزام أن لو قال: ملوك حكموني في أمولاهم فمدحتهم، وإلا فهو قد جعل مدحه لهؤلاء الملوك سابقًا على إحسانهم، فلا يحصل الإلزام؛ إذ لم يكن له داع إلى الابتداء بمدحهم.
الثاني: في قوله: "فلم ترهم في مدحهم لك أذنبوا" وهل أحد يرى أن مادحه مذنب، وإنما كان ينبغي أن يقول: فلم يرهم غيرك بمذنبين بمدحهم لك، فلأي شيء تراني أنت مذنبًا بمدحي لغيرك؟ !
وقد يكون المذهب الكلامي بقياس اقتراني، كقوله تعالى:(وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ)[الروم/ ٢٧] أي: الإعادة أهون من الابتداء، والأهون أدخل في الإمكان؛ وهو المطلوب.
ولك أن تقول: هذا النوع كله ليس من البديع، لأنه ليس في هذا تحسين لمعنى الكلام المقصود، بل المعنى المقصود هو منطوق اللفظ؛ فالإتيان بهذا الدليل هو المقصود، فهو تطبيق على مقتضى الحال، فيكون من المعاني لا من البديع. انتهى كلامه.