في القلب؛ أهملوا تأمله، فخفي عنهم ما فيه، والذي يتوجه فيه من السؤال أن يقال: ما وجه تعلق عجزه بصدره؟ وهل للجملة الأخيرة موضع من الإعراب؟ فإن قيل: نعم؛ قيل: ما هو، وكم وجهًا من وجوه الإعراب تحتمل؟ وهل يجوز أن تكون أي فيه شرطية؛ لتعلق الجملة بالجملة تعلق الجزاء بالشرط، كقولك: أي يوم لقيني زيد لم أعرض عنه، تريد: أي يوم لقيني أقبلت عليه. والجواب عن هذا السؤال: أنه لا يصح حمل أي على معنى الشرط، لأن في ذلك مناقضة للمعنى الذي أراده الشاعر، فكأنه قال: إن سررتني يومًا بوصالك؛ آمنتني ثلاثة أيام من صدودك. وهذا عكس مراده في البيت! وإنما "أي" استفهام خرج مخرج النفي، كقولك لمن يدعي أنه أكرمك: أي يوم أكرمتني؟ ! تريد: ما أكرمتني قط. قال الهذلي:
فاذهب فأيُّ فتى في الناس أحرزه ... من حتفه ظلم دعج ولا جبل
ذهب بأي مذهب النفي، فأدخل "لا" مع حرف العطف، كما تقول: ما قام زيد ولا عمرو.
فمعنى البيت: ما سررتني يومًا بوصالك، إلا رعتني ثلاثة أيام بصدودك. فإن قلت: أجعل كل جملة واحدة من الجملتين قائمة بنفسها، لا علقة لها بالأخرى، فلا أحكم للجملة الأخيرة بموضع من الإعراب، فإن في ذلك أيضًا فسادًا للمعنى المراد، لأن قولك: أي يوم سررتني بوصال؟ يفيد معنى: ما سررتني قط بوصال، ثم قولك مستأنفًا: لم ترعني ثلاثة بصدود، يفيد معنى: أنت تصدُّ عني