للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد رد المبرد على سيبويه بأن الفرزدق تميمي، وهم يرفعون الخبر مؤخرًا فكيف ينصبونه مقدمًا؟ !

قال النحاس: سألت أبا إسحاق عما قهل المبرد فقال: إنه لعمري من بني تميم، ولكنه مسلم قد قرأ القرآن، وقرأ فيه: (مَا هَذَا بَشَرًا) [يوسف/ ٣١] وقرأ (مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ) [المجادلة/ ٢] فرجع إلى لغة من ينصب؛ فلا معنى للتشنيع بأنه من بني تميمي. انتهى.

وأقول: من ينصب الخبر لا ينصبه مع تقدمه، فلا يصح هذا جوابًا. وقيل: أراد الفرزدق أن يتكلم بلغة الحجاز فغلط، وهذا كما قيل: الخارج عن لغته لحان. وأجيب بأن الغربي لا يغلط في اللفظ، وإنما يجوز أن يغلط في المعنى.

ورد ابن ولاد على المبرد بأن الرواة قد تغير البيت على لغتها، وترويه على مذهبها، ولذلك كثرت الروايات في البيت الواحد، ألا ترى أن سيبويه قد يستشهد ببيت واحد لوجوه شتى؟ ! وإنما ذلك على حسب ما غيرته الرواة بلغاتها، لأن لغة الراوي من العرب شاهد، كما أن قول الشاعر شاهد إذا كانا فصيحين، فمن ذلك ما أنشده سيبويه:

بدا لي أنِّي لست مدرك ما مضى ... ولا سابق شيئًا إذا كان جائيا

ورواه أيضًا: "ولا سابقًا" في موضع آخر. انتهى. وأقول: بيت الفرزدق ليس على لغة الحجاز، ولا على لغة تميم وغيرها، فكيف يكون من قبيل لغة الراوي.

وقال بعضهم: مثلهم ليس خبرًا لما، وإنما هو خبر للمبتدأ مرفوع، لكنه بني على الفتح لإضافته إلى مبني، فإن المضاف إذا كان مبهمًا كغير، ومثل، ودون، وأضيف إلى مبني، بني كقوله تعالى: (إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ) [الذاريات/ ٢٣]

<<  <  ج: ص:  >  >>