تبغي أمورًا فما تدري أعاجلها ... خير لنفسك أم ما فيه تأخير
فاستقدر الله خيرًا وارضينَّ به ... فبينما العسر إذ دارت مياسير
وبينما المرء في الأحياء مغتبط ... إذ صار في الرِّمس تعفوه الأعاصير
حتى كأن لم يكن إلاّ تذكُّره ... والدَّهر أيَّتما حال دهارير
يبكي الغريب عليه ليس يعرفه ... وذو قرابته في الحيِّ مسرور
وذاك آخر عهد من أخيك إذا ... ما المرء ضمَّنه اللحد الخناسير
والخناسير: جمع خنسير، ويقال: الخناسرة، وهم الذين شيعوا الجنازة. فقال رجل إلى جانبي يستمع ما أقول: يا عبد الله من قائل هذه الأبيات؟ قلت: ما أدري، إلا أني قد رويتها منذ زمان. قال: قائله الذي دفناه، وإن هذا ذو قرابته، أسرُّ الناس بموته، وإنك الغريب الذي وصف تبكي عليهّ فعجبت لما ذكره في شعره والذي صار إليه في قوله، كأنه كان ينظر إلى موضع قبره! فقلت:"إن البلاء موكل بالمنطق". انتهى كلام السجستاني باختصار.
وأورد الحريري هذه الحكاية في كتاب "درة الغواص في أوهام الخواص" عن أبي بكر محمد بن القاسم الأنباري قال: روى بإسناده إلى هشام بن الكلبي، قال: عاش عبيد بن شرية الجرهمي ثلاثمائة سنة، فأسلم ودخل على معاوية بالشام وهو خليفة، فقال له: حدثني بأعجب ما رأيت، قال: مررت بدار قوم يدفنون ميتًا لهم، فلما انتهيت إليهم اغرورقت عيناي بالدموع فتمثلت بقول الشاعر: يا قلب إنك من أسماء مغرور .. الأبيات المذكورة إلا البيت الأخير. قال: فقال لي رجل: تعرف من بقول هذا الشعر؟ قلت: لا، قال: إن قائله هذا الذي