فإذا قدرناه بعلي يكون على مذهب الأخفش، أو بالباء يكون على مذهب غيره. قال أبو حيان في شرح "التسهيل": أي: عن الديار، وليس المعنى بالديار، لقوله: ولم تعوجوا. انتهى.
وهذا الحذف والإيصال عده ابن عصفور من الضرائر الشعرية، وقال الرضي: والأخفش الأصغر يجيز حذف الجار مع غير أن وأنّ أيضًا قياسًا إذا تعيّن الجار.
والأخفش الأصغر هو أبو الحسن علي بن سليمان الأخفش، وهو تلميذ المبرد. وما نقله عنه مقيد بما إذا كان الفعل متعديًا بنفسه إلى واحد وإلى آخر بحرف جر، فحينئذ يجوز حذفه. وهذا كلامه فيما كتبه على "كامل المبرد" قال: فأما قوله:
وأخفي الذي لولا الأسى لقضاني
فإنما يريد: لقضى علي الموت، كما قال الله تعالى:(فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ)[سبأ/ ١٤] فالموت في النية؛ وهو معلوم بمنزلة ما نطقت به، ومثله:(وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ)[الأعراف/ ١٥٥] وكذلك قوله تعالى: (وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ)[المطففين/ ٣] والمعنى: إذا كالوا لهم، أو وزنوا لهم، أي: كالوا لهم الشيء ووزنوه لهم، والمكيل والموزون معلوم بمنزلة ما ذكر في اللفظ، ولا يجوز: مررت زيدًا، وأنت تريد: بزيد، لأنه لا يتعدى إلا بحرف، وذلك أنه فعل الفاعل في نفسه، وليس فيه دليل على مفعول، وليس هذا بمنزلة ما يتعدى إلى مفعولين فيتعدى إلى أحدهما بحرف الجر، وإلى الآخر بنفسه، لأن قولك: اخترت الرجال زيدًا، قد علم بذكرك زيدًا أن حر الجر محذوف من الأول، فأما قول جرير، وإنشاد أهل الكوفة له، وهو قوله:
تمرُّون الدِّيار ولم تعوجوا ... كلامكم عليَّ إذًا حرام