يعرِّس في صاحبها الغنى إن فزت بالحظوة عند أمير المؤمنين، فدخلت فواجهت الرشيد في مجلسه، والفضل بن يحيى إلى جانبه، فوقف بي الخادم بحيث يسمع التسليم، فسلمت فرد علي السلام، ثم قال: يا غلام أرحه ليفرح روعه إن كان وجد للروعة حسًا، فدنوت قليلًا، ثم قلت: يا أمير المؤمنين: إضاءة مجدك، وبهاء كرمك، مجيران لمن نظر إليك، فقال: أدن، فدنوت، فقال: أشاعر أم رواية؟ فقلت: رواية لكل ذي جد وهزل بعد أن يكون محسنًا، فقال: تالله ما رأيت ادعاء أعظم من هذا، فقلت: أنا على الميدان، فأطلق من عناني يا أمير المؤمنين، فقال:"قد أنصف القارة من راماها"، ثم قال: ما المعنى في هذه الكلمة؟ فقلت: فيها قولان: القارة هي الحرة من الأرض، وزعمت الرواة أن القارة كانت رماة للتبابعة، والملك إذ ذاك أبو حسان، فواقف عسكره عسكر السُّغد، فخرج فارس من السغد وقد وضع سهمه في كبد قوسه، فقال: أين رماة العرب، فقالت العرب:"قد أنصف القارة من راماها" فقال لي الرشيد: أصبت، ثم قال: أتروي لرؤبة بن العجاج والعجاج شيئًا؟ فقلت: هما شاهدان لك بالقوافي، وإن غيبًا عن بصرك بالأشخاص. قال: أنشدني:
أرَّقني طارق همِّ أرَّقا
فمضيت فيها مضي الجواد في سنن ميدانه، تهدر به أشداقي، فلما صرت إلى مديحه لبني أمية ثنيت لساني إلى امتداحه لأبي العباس في قوله: