للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما رآني قد عدلت من أرجوزة إلى غيرها قال: أعن حيرة أم عن عمد؟ قلت: عن عمد تركت كذبه إلى صدقه فيما وصف به جدك من مجده، فقال الفضل: أحسنت! بارك الله فيك، مثلك يؤهل لمثل هذا المجلس! فلما أتيت على آخرها قال لي الرشيد: أتروي كلمة عدي بن الرقاع:

عرف الدِّيار توهُّما فاعتادها ... ؟

قلت: نعم، قال: هات، فمضيت فيها، حتى إذا صرت إلى وصف الجمل، قال لي الفضل: ناشدتك بالله أن تقطع علينا ما أمتعنا به من السهر في ليلتنا هذه بصفة جمل أجرب، فقال الرشيد: اسكت، فالإبل هي التي أخرجتك من دارك، واستلبت تاج ملكك، ثم ماتت وعملت جلودها سياطًا، ضربت بها أنت وقومك، فقال الفضل: لقد عوقبت على غير ذنب والحمد لله، فقال الرشيد: أخطأت، الحمد لله على النعم، ولو قلت: أستغفر الله كنت مصيبًا. ثم قال لي: امض في أمرك، فأنشدته، حتى إذا بلغت إلى قوله:

تزجي أغنَّ كأنَّ إبرة روقه ..

استوى جالسًا، ثم قال: أتحفظ في هذا ذكرًا؟ قلت: نعم، ذكرت الرواة أن الفرزدق قال: كنت في المجلس، وجرير إلى جانبي، فلما ابتدأ عدي في قصيدة، قلت لجرير مسرًّا إليه: هلم نسخر من هذا الشامي، فلما ذقنا كلامه يئسنا منه، فلما قال: تزجي أغن كأن إبرة روقة .. وعدي كالمستريح، قال جرير: أما تراه يستلب بها مثلًا؟ فقال الفرزدق: يا لكع إنه يقول:

قلمٌ أصاب من الدَّواة مدادها

فقال عدي: قلم أصاب من الدواة مدادها.

<<  <  ج: ص:  >  >>