فقال جرير: أكان سمعك مخبوءًا في صدره؟ ! فقال له: اسكت، شغلني سبك عن جيد الكلام! فلما بلغ إلى قوله:
فلقد أراد الله إذ ولّاكها ... من أمَّةٍ إصلاحها ورشادها
قال الرشيد: ما تراه قال حين أنشد هذا البيت؟ قلت: قال: كذاك أراد الله، فقال الرشيد: ما كان في جلالته ليقول هذا، أحسبه قال: ما شاء الله، قلت: وكذا جاءت الرواية، فلما أتيت على آخرها قال: أتروي لذي الرمة شيئًا، قلت: الأكثر، قال: فما أراد بقوله:
قلت: وصف حمار وحش أسمنه بقل روضه تواشجت أصوله، وتشابكت فروعه، من مطر سحابة كانت بنوء الأسد، ثم في الذراع من ذلك، فقال الرشيد: أرح فقد وجدناك ممتعًا، وعرفناك محسنًا، ثم قال: أجد ملالة، ونهض، فأخذ الخادم يصلح عقب النعل في رجله، وكانت عربية، فقال الرشيد: عقرتني يا غلام، فقال الفضل: قاتل الله الأعاجم، أما إنها لو كانت سندية لما احتجت إلى هذه الكلمة! فقال الرشيد: هذه نعلي ونعل آبائي، كما نعارض فلا تترك من جواب ممض! ثم قال: يا غلام، يؤمر صالح الخادم بتعجيل ثلاثين ألف درهم على هذا الرجل في ليلته هذه، ولا يحجب في المستأنف، فقال الفضل: لولا أنه مجلس أمير المؤمنين، ولا يأمر فيه غيره، لأمرت لك بمثل ما أمرت لك، وقد أمرت لك به إلا ألف درهم، فتلق الخادم صباحًا. قال الأصمعي: فما صليت من غد إلا وفي منزلي تسعة وخمسون ألف درهم.