اللغات وإن اختلفت ألفاظها فالمراد بها معنى واحد وهو فوق، وفوق لا ينفك عن الإضافة، لأنه إنما
يكون فوقًا بالنسبة إلي ما يضاف إليه كقبل وبعد، فوجب أن يكون"عل" وسائر لغاتها مضافة،
فإذا أضيف إلي معرفة، أو قطع عن الإضافة، وكان المضاف إليه مرادًا منويًا؛ كان معرفة، وبني لتنزيله
منزلة بعض الاسم، وإن قطع النظر عن المضاف إليه كان معربًا منكورًا، وكذلك لو أضفته إلي نكرة
وقطعته عنه كان معربًا أيضًا لأنه منكور، فمعناه مع قطع الإضافة كمعناه مضافًا، فإذا قلت:
جئت من عل، بالخفض، جعلته منكورًا، كأنك قلت: من فوق، ويحتمل أن تكون الكسرة إعرابًا
وهو محذوف اللام، ويحتمل أن تكون الكسرة فيه بناء، وكسرة الإعراب محذوفة لثقلها على الياء
التي هي لام مبدلة من واو، والياء حذفت لكون التنوين على حد قاض، فإذا قلت: من عل بالضم،
فهو معرفة محذوفة اللام، والضم فيه كقبل وبعد، وإذا قلت: عاو؛ مثلث الواو،
فقد تممت الاسم ولم تحذف منه شيئًا، فمن قال: عاو، بالكسر أو الفتح، فكأنه توهم فيه الحركة
لالتقاء الساكنين، فالكسر على الأصل، والفتح للخفة.
وكذلك من قال: علا، وجعله مقصورًا، فهو أيضًا تام، وألفه منقلبة عن الواو، فإن نوى فيه المضاف إليه وجعله معرفة كانت الألف في تقدير ضمة، ومن جعله نكرة كانت اللف في تقدير كسرة، كما يكون"عصا" كذلك، وكذلك عالٍ ومعالٍ، فهو تام وإذا كان نكرة كان مجرورًا ونون، وإذا كان معرفة حذف منه التنوين، وكان بالياء، وكانت الضمة منوية، وهذا آخر كلام ابن يعيش، ولم يتعرض لاستعماله غير مضاف حتمًا، كما زعمه المصنف ونسب إلي الوهم من جوز استعماله مضافًا.
وقوله: يارب يوم. . الخ، قال ابن مالك في"شواهد التوضيح": يظن أكثر الناس أن"يا" التي تليها
"ليت" حرف نداء والمنادى محذوف، وهذا