والفعل، وهو أوسط بين الطرفين، ومنه الحديث الآخر:"عليكم هديًا قاصدًا" أي: طريقًا معتدلًا لا يسرف في الإنفاق ولا يفتر. وعلى تخريج ابن الأعرابي قد خرج الدماميني البيت بطريق البحث، فقال: ويظهر لي وجه آخر حسن في الجواب مع القول باتحاد المعاني، وهو أن يقال: المراد بالسوي العدل والإنصاف، لا معنى "غير"، وهو أمر ثابت في اللغة، صرح به الجوهري وغيره، المعنى: لم نعدل عدله بعدل غيره، ولا غبار عليه. انتهى.
بقي تخريج رابع أورده أبو حيَّان في "تذكرته" قال: وقد جاءت "غير" زائدة، أنشد بعضهم لحسان:
أتانا فلم نعدل سواه بغيره ... نبيٌّ أتى من عند ذي العرش هاديا
وقيل: تجل إحدى الكلمتين من سوى ومن غير زائدة. انتهى. وقد وافقه بطريق البحث أيضًا ابن وحيي، قال: ولو حمل على إقحام لفظة سوى، حتى يكون التقدير: أتانا نبي فلم نعدله بغيره. أو على إقحام لفظ غير حتى يكون مآله: أتانا نبي فلم نعدل سواه به، لظهر المعنى بلا ريب. وإقحام الأسماء، ولا سيما المبهمات، كثيرة مثل قوله تعالى:{ليس كمثله شيءٌ}[الشورى/ ١١]. وقوله:"ثمَّ اسم السلام"، وقولهم: مثلك لا يبخل، وغيرك لا يجود. انتهى. وهذا مذهب لا يتمشى على قول البصريين. وقوله:"أتانا فلم نعدل سواه بغيره"، قال الأزهري في التهذيب: قال الكسائي: عدلت الشيء بالشيء أعدله عدولًا: إذا ساويته به.
وقد جاء هذا البيت بألفاظ مختلفة كما رأيت وهو منسوب إلى حسَّان بن ثابت، ولم أره في شعره، وقد رأيته في كتب السّير، لكن ليس في الجمع بين سوى وغير، وإنما الرواية كذا:
أطعناه لم نعدله فينا بغيره ... شهابًا لنا في ظلمة اللَّيل هاديا