الخورنق- والفازة بالفاء والزاء المعجمة، وهي مظلّة بعمودين- في عامٍ بكر وسميّه وتتابع وليَّه، وأخذت الأرض زينتها من اختلاف ألوان نبتها، فهي في أحسن منظر من نور ربيع مونقٍ في صعيد، كأنه قطع الكافور. فلو أن نطفة ألقيت فيه لم تترب، فنظر النعمان فأبعد النظر، فرأى البر والبحر، وصيد الظباء والحمر، وصيد الطير والحيتان، والنجف إذ ذاك بحر تتلاطم أمواجه، وتتواثب حيتانه، وسمع غناء الملاّحين، وتطريب الحادين، ورأى الفرسان تتلاعب بالرّماح في الميادين، ورأى أنواع الزهر من النخيل والشجر في البساتين، وسمع أصوات الطير على اختلافها وائتلافها، فأعجب بذلك إعجابًا شديدًا، وقال لجلسائه: هل رأيتم مثل هذا المنظر والمسمع؟ وكان عنده رجل من بقايا حملة الحجة والمضي على أدب الحق ومنهاجه، فقال له: أيها الملك، قد سألت عن أمرٍ، أفتأذن في الجواب عنه؟ قال: نعم، قال: أرأيت الذي أنت فيه، أشيء لم تزل فيه، أم شيء صار إليك ممن كان قبلك، وهو زائل عنك، وصائر إلي من بعدك؟ فقال: بل هو شيء صار إليَّ ممن كان قبلي، وسيزول عني إلى من يكون بعدي، قال: فأراك إنما أعجبت بشيء تكون فيه قليلًا، وتغيب عنه طويلًا، وتكون بحسابه مرتهنًا؛ فقال: ويحك، فكيف المخلص؟ قال: إمّا أن تقيم في ملكك، وتعمل فيه بطاعة الله على ما ساءك وسرك، وإمَّا أن تضع تاجك، وتخلع لباسك، وتلبس أمساحًا، وتعبد الله في جبل حتى يأتيك أجلك، قال: فإذا كان السحر فاقرع عليَّ الباب، فإني مختار أحد الرايين، فإن اخترت ما أنا فيه كنت وزيرًا لا تقصى، وإن اخترت السّياحة في الفاوات والقفار والجبال كنت رفيقًا لا تخالف. فقرع عليه بابه عند السحر، فإذا هو قد وضع تاجه ولباسه وتهيأ للسياحة، فلزما جبلًا يعبدان الله فيه حتى أتتهما آجالهما.
وقوله: ثم بعد الفلاح والملك ... الخ، الفلاح: هو البقاء، والإمّة بالكسر: النعمة، واستشهد به صاحب "الكشاف" وغيره عند قراءة الأشهب العقيلي: (وادَّكر بعد إمَّةٍ)[يوسف/ ٤٥] بالكسر. وقوله: ثمَّ أضحوا كأنهم ... الخ،