للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نفسك إن كنت لا تطيق الساو عنها, واصبر على بعض ما تكره, وألمم بها إلمامة, فلعلك تستريح إليها, فأجمع على ذلك ومضى معهما فلقي جارية لها حبشية, فلم يكلمها, ولا أعلمها أنه قصد بثينة, ولكنه جلس مع ابني عمه مستظلًا بشجرة, ومطاياهم معقولة كأنهم يريدون أن يريجوا, فبادرت الأمة إلى بثينة فأخبرتها, فجاءت وأم الحسين وليلى وأم منظور, فلما رأينه سلمن عليه وعلى صاحبيه, وجلسن إليه, فقالت له أم منظور: أين كنت بعدنا, وأين كانت غيبتك؟ فقد طال شوقنا إليك! فقال: اغتربت عنكن في أهلي, وافترقنا, فرأيت التباعد مع ما حدث أجمل! فبكت بثينة وقالت: ما تباعدنا عنك, وما زادتنا الليالي إلا شوقًا إليك وتجديدًا لمودتك, وتحدثا بقية يومهما وليلتهما وتشاكيا, فقال جميل في ذلك:

ألا طال كتماني بثينة حاجةً ... من الحاج ما تدري بثينة ماهيا

أخاف إذا أنبأتها أن تضيعها ... فتتركها ثقلًا علي كما هيا

أغرك أني لا بخيل عليكم ... ولا مفحش فيما لديك التقاضيا

أعد الليالي ليلة بعد ليلةٍ ... وقعد عشت دهرًا لا أعد اللياليا

ذكرتك بالديرين يومًا فأشرقت ... بنات الهوى حتى بلغن التراقيا

إذا اكتحلت عيني بعينك لم أزل ... بخير وجلت غمرةً عن فؤاديا

فأنت التي إن شئت أشقيت عيشتي ... وإن شئت بعد الله أنعمت باليا

إذا خدرت رجلي وقيل شفاؤها ... دواء حبيبٍ كنت أنت المداويا

<<  <  ج: ص:  >  >>