للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحملته على لفظ "هما" دون معناه، ولو جعلت "هما" فصلًا، وكان الاسمان معرفتين وما قرب منهما، وجعلت "أخوان" خبر كلّ، لم يمتنع لأنَّ الاثنين المظهرين قد عني بهما الكثرة أيضًا، ألا ترى أنَّ في نفس هذا البيت: وكلّ رفيقي كلّ رجل، ليس الرفيقان باثنين فقط، وإنما يراد بهما الكثرة، فكذلك يراد بأخوان الكثرة، إلاّ أنّ قوله: وكلّ رفيقي، في الحمل على الجمع، أحسن من حمل أخوان على الجمع؛ لأنّ المعنى في قوله: وكل رفيقي كل رحل، كلّ الرفقاء، إذا كانوا رفيقين رفيقين فهما أخوان، وإن تعاطى كلّ واحد مغالبة الآخر؛ لاجتماعهما في السفرة والصحبة. فقول الأوّل في هذا هو الوجه، ومثل هذا قولهم: هذان خير اثنين في النّاس، وهذان أفضل اثنين في العلماء، فيدلك على الاثنين في قولنا: هذان خير اثنين في الناس، والرفيقين في هذا البيت، ما يذهب إليه سيبويه من أنّ المعمى: إذا كان الناس اثنين اثنين، فهذا أفضلهم. وإضافة رفيقين في هذا البيت إلى كل رحل، لو كان المراد بهما اثنين فقط، لكانت هذه الإضافة مستحيلة؛ لأنّ رفيقين اثنين لا يكونان لكل رحل، ففي هذا البيت دليل على أن رفيقين يراد بهما الكثرة. وفيه أنه حملهما على معنى كلّ، وفيه الوجهان اللّذان حملناهما في تعاطى.

فأمّا قوله: قومًا، فيحتمل ثلاثة أوجه، أحدهما: أن يكون بدلًا من القنا؛ لأنّ قومهما من سببها وما يتعلق بها، ويحتمل أن يكون مفعولًا له، وكأنه قال: وإن هما تعاطيا القنا للمقاومة، أي: لمقاومة كلّ واحد منهما صاحبه ومغالبته. ويحتمل أن يكون مصدرًا من باب (صنع الله) و (وعد الله) لأنّ تعاطي القنا يدل على مقاومة، فيحمل قومًا على هذا، كما حملت (وعد الله) على ما تقدم في الكلام مما فيه وعد، وينشد، ونراه الرّواية:

وكلّ رفيقي كلّ رحل وإن هما ... تعاطى القنا قوماهما أخوان

على أنّ "قوماهما" يرتفع بالابتداء. هذا آخر كلام أبي علي برمته. وقد اعترف في آخر كلامه بأنّ الرواية: "قوماهما" على أنه مثنى قوم مضاف إلى ضمير الرفيقين، وكأنه إنما ذكر الوجه الأول، وهو تنوين قومًا، إمّا لأنه رواية ضعيفة عنده، وإمّا ليجعله من مسائل التمرين في الإعراب، ليظهر قوة استحضاره للقواعد ووجوه

<<  <  ج: ص:  >  >>