للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: يا غراب البين، هو كلّ غراب يتشاءم به، وإنَّما لزمه هذا الإسم؛ لأنَّ الغرابّ إذا بان أهل الدار وقع في مواضع بيوتهم يتلمس شيئًا، فتشاءموا به وتطيروا منه، إذ كان لا يعتري منازلهم إلاَّ إذا بانوا، فسموه غراب البين، ولا شيء عند العرب مما يتشاءم به إلاَّ والغراب أنكد منه، وقد جرت العادة بالتشاءم بصوته.

وقوله: إنَّما تنطق شيئًا، أي: بشيء، وسمي صوته نطقًا مجازًا، وفعل: بالبناء للمفعول، يريد: إنَّما تؤذن بأمر وقع، قال السهيلي: قوله: قد فعل، أي: قد فرغ منه وقدر، وكانوا في الجاهلية يقرون بالقدر، قال لبيد في الجاهلية:

إنَّ تقوى رّبنّا خير نفل .. وبإذن الله ريثي وعجل

مّن هدّاهّ سبل الخير اهتدى ... ناعم البال ومن شاء أضّل

وقال راجزهم:

يا أيّها اللائم لمني أو فذر .. إنَّ كنت أخطأت فما أخطأ القدر

انتهى. وقوله: ((إنَّ للخير وللشر مدى)). المدى: الغاية، يقول: إنَّ لكلّ من الخير والشر غاية، وكلّاهما مما يتوجه إليه الإنسان ويستقبله. وقوله: وكلّا ذلك، أي: كلّا الأمرين من الخير والشر؛ ولا يؤول ((ذلك)) بما ذكر؛ لأنَّ اسم الإشارة صالح للواحد والاَّثنين وغيرهما، وبه يؤول الضمير إذا كان مخالفًا لمرجعه، فلا يؤوَّل ما يؤوَّل به كما حققناه إنَّفًا. وكلّا: مبتدأ، ووجه: خبره، وقد روعي هنا لفظها، لهذا أخبر عنها بمفرد، وروي: ((لكلّا ذينك وقت وأجل)) وهذا هو الأصل، والوجه: ما يتوجه إليه إلإنسان من عمل وغيره، وقبل بفتحتين: ما يقبل عليه، والقبل: الاَّقبال على الشيء من غير تهيؤ، بقال: تكلّم فلانَّ قبلا فأجاد، وهو: إنَّ يتكلّم ولم يستعد له، وقال إلاَّصمعي: رجزته قبلًا: إذا أنشدته رجزًا لم تكن أعددته، وقال أبو عمرو: القبل: المحجة الواضحة، وبنات الدهر: حوادثه،

<<  <  ج: ص:  >  >>