للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فجزم لا تلفنا، والوجه الرفع، كما قال تعالى: {لئن أخرجوا لا يخرجون معهم} [الحشر/ ٥٩] ولكنه لما جاء بعد حرف ينوى به الجزم صيِّر مجزومًا، وهو في معنى رفع. وأنشد القاسم بن معن عن العرب:

حلفت له إن تدلج الليل لا يزل ... أمامك بيتٌ من بيوتي سائر

والمعنى: حلفت له لا يزال بيت، فلما جاء بعد المجزوم صيّر جوابًا للجزم. إلى هنا كلام الفراء.

وقال ابن مالك في "التسهيل": وقد يغني جواب الأداة مسبوقة بالقسم، وقال في شرحه: ولا يمتنع الاستغناء بجواب الشرط مع تأخره، ومن شواهده كذا وكذا، وأنشد ما أنشده الفراء من الأبيات وغيرها، قال أبو حيان: هذا الذي أجازه المصنف هو مذهب الفراء، وقد منعه أصحابنا والجمهور، وقالوا: لا يجوز جعل الفعل جوابًا للشرط المتوسط بينه وبين القسم، وقالوا: اللام في لئن ينبغي أن تكون زائدة، هذا كلامه، وتبعه المصنف هنا.

وأقول: الحكم بزيادة اللاَّم هو قول الفراء كما رأيت، فكيف يجعل جواب البصريين ويرد به على الفراء؟ ! ومختار البصريين هو مختار الفراء، فكيف ينسب إليه شيء لم يقل به، ثم يرد عليه؟ هذا أمر عجيب! وابن مالك لم يصرح بزيادة اللام في هذه المسألة، فكيف يكون تابعًا للفراء، وإنما صرح بزيادتها في نحو:

قلَّ العزاء لئن كان الرَّحيل غدا

وقد قال الفراء بزيادة الَّلام في هذا أيضًا كما تقدَّم في كلامه. وقال ناظر الجيش: وهذه الأبيات أدلَّة ظاهرة على المدَّعى، غير أنَّ ابن مالك لم ينسب هذا المذهب لبصري ولا كوفي جريًا منه على طريقته المألوفة، وهي أنه إذا قام الدَّليل عنده على شيء اتبعه، ثمَّ إنه قد ينبِّه على خلاف ذلك إن كان، وقد لا يتعرَّض إلى ذلك، والجماعة يذكرون أنَّ هذا القول إنما هو للفراء.

<<  <  ج: ص:  >  >>