فرسه وتبعه عمرو بن الحارث بن ذهل ومعه رمحه دخلا على كليب الحمى، فقتلاه، فرحلت بنو شيبان، وتشمر المهلهل، فاستعد لحرب بكر، وترك النساء والغزل، وحرَّم القمار والشراب، وجمع قومه وحاربهم.
وفي أوَّل وقعة كانت الشوكة في بني شيبان، والغلبة لتغلب، وكانت الوقعة بالنهي، وهو ماء من مياه بني شيبان، قتل فيها شراحيل بن مرة بن همان بن مرَّة، ثم التقوا بوازدات، فظفرت تغلب أيضًا وكثر القتل في بكر، قتل شعثم وعبد شمس ابنا معاوية بن عامر بن ذهل بن ثعلبة، وقتل همام بن مرة وغيرهم، ثم التقوا بعنيزة، فظفرت تغلب أيضًا، ثم كانت بينهم وقائع كثيرة، وكلها الغلبة لتغلب على بكر، وقال مهلهل يصف الأيام وينعاها على بكر في قصيدة طويلة، أولها:
أليتنا بِذي حُسُمٍ أنيري
وكان الحارث بن عباد قد اعتزل تلك الحروب حتى قتل مهلهل بجيرًا ابنه، فلما بلغ الحارث قتله قال: نعم القتيل أصلح بين ابني وائل، وظنَّ أن مهلهلًا أدرك به ثأر كليب، وجعله كفءًا له فقيل له، إنما قتله بشسع نعل كليب فغضب الحارث، وتولى أمر الحرب، فقاتل تغلب، فقتلهم، وتفرقت قبائل تغلب، وأسر الحارث بن عباد مهلهلًا وهو لا يعرفه، فقال له: دلني على مهلهل، وأخلي عنك، فقال له: عليك العهد بذلك إن دللتك عليه، قال: نعم، قال: أنا مهلهل، فجزَّ ناصيته، وتركه، ثمَّ إنَّ مهلهلً فارق قومه ونزل في بني جنب وجنب في مذحج، فخطبوا إليه ابنته، فمنعهم، فأجبروه على تزويجها وساقوا إليه في صداقها جلودًا من أدم، فقال في ذلك من أبيات: