للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإلًا كان نوعًا من التكليف بِعِلْم الغَيْبِن وقد تمحَّل وتعسف بعض الفضلاء لبيان هذه الأغلاط، فكتب على هامش نسخته من "القاموس" ما نصّه: أقول: قد لاح لي في هذه الإغلاط التسعة، تسعة وجوه خطرت بالبال، والله أعلم بحقيقة الحال.

الأوَّل: إدخال الهمزة على غير محلّ الإنكار، وهو جاعل، والواجب إدخالها على المسلّعة، لأنها محلّ الإنكار. انتهى. وأقول: المنكر إنما هو فعلهم، وإنكار المسلعة بالتبعيّة، والقاعدة أن يلي همزة الإنكار ما كان منكرًا بالأصالة.

الثاني: تقديم المسند الذي هو خلاف الأصل، فلا يرتكب إلا لسبب من الأسباب، قال في "المطوّل": وأمّا تقديم المسند، فتلخيصصه بالمسند إليه، أي: لقصر المسند إليه على المسند، لأنَّ معنى قولنا: قائم زيد، أنّه مقصور على القيام لا يتجاوزه على القعود، ثم قال: أو للتنبيه من أوَّل الأمر على أنّه خبر، أو التفاؤل، أو التشويق إلى ذكر المسند إليه. ولا يخفى عدم مناسبة شيء من هذه الوجوه في هذا المقام ولا يخفى أنَّ نفس جعل الذريعة إليه تعالى ليس منكرًا بدليل: (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة/ ٣٥]، وإنما المنكر المسلعة، فكان الواجب تقديمها وإدخال الهمزة عليها، ويقول: أمسلعة أنت تجعل ذريعة الخ. انتهى. وأقول: أراد بالتقديم تقديم ما حقه التأخير، بدليل المثال الذي أورده من "المطول" وهذا سهو منه وغفلة، فإنَّ تقديم جاعل بحق الرتبة، لأنه مبتدأ، وأنت فاعل سد مسد الخبر، فاستدلاله بكلام المطوَّل يبقى ضائعًا، وقوله: إنما المنكر المسلعة .. الخ، قد قدَّمنا أنَّ إنكار المسلّعة إنما نشأ من إنكار فعلهم، فالمنكر بالأصالة إنما هو فعلهم، وإنكار المسلّعة بالتبعيّة.

الثالث: أن ترتب هذا البيت على ما قبله يقتضي أنّه قصد به الالتفات من الغيبة قطعًا، وأنه بعد أن حكى عنهم حالتهم الشنيعة التفت إلى خطابهم بالإنكار ومواجهتهم بالتوبيخ، وحينئذ ففيه أنّه أخطأ في إيراد أحد اللفظين بالجمع، والآخر بالإفراد، وشرط

<<  <  ج: ص:  >  >>