ظلت صوافن بالأرزان صاوية ... زفي ما حق من نهار الصيف محتدم
قد أوبيت كل ماء فهي صاوية ... مهما تصب أفقًا من بارق تشم
حتى شآها كليلٌ موهنًا عمِلَ ... باتت طرابًا وبات الليل فم ينم
كأنما يتجلى عن غواربه ... بعد الرقاد تمشي النار في الضرم
حيران يركب أعلاه أسافله ... يخفي تراب جديد الأرض منهزم
فأسأدت دلجًا تحيي لموقعه ... لم تنتشب بوعوث الأرض والظلم
حتى إذا ما تجلى ليلها فزعت ... من فارس وحليف الغرب ملتئم
فافتنها في فضاء الأرض يأفرها ... وأصحرت في قفاف ذات معتصم
أنحى عليها شراعيا فغادرها ... لدى المزاحف تلى في نضوح دم
قوله: ظلت صوافن، أي: قد رفعن إحدى قوائمهن، والصوافن: التي تفرِّج بين رجليها، والأرزان، جمع رزن، بكسر المهملة وسكون المعجمة: الموضع الغليظ الذي فيه الماء، وصاوية بالصاد المهملة: اليابسة من العطش، والماحق: شدة الحر، والمحتدم، بمهملتين: المحترق، أي: كان ذلك اليوم محترقًا من شدة الحر.
وقوله: قد أوبيت .. إلى آخره، قال أبو حنيفة في كتاب "النبات": وصف ساعدة بن جؤية بهذه الأبيات حميرًا، وأوبيت: منعت، وقال السكري: يقول: منعت كل ماء، أي: قطع عنها، يقال: طعام وشراب لا يؤبى: لا ينقطع. انتهى. وصف حميرًا قد أجهدها العطش، فيبست أجوافُها، وهي لا تقدم على ماء الأنهار والعيون فزعًا من الصائد، فهي تشيم البرق، وترتقب نزول المطر لترده، والصاوية، بالصاد المهملة: اليابسة من العطش، وقوله: مهما تصب أفقًا. قال السكري: أي ناحية من بارق، أي: من سحاب فيه بارق، وتشم: تنظر إليه، والضمير في الجميع للصوار، وروى الجمحي: