للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للإنسان أن يحتقر نفسه، ولا يباهي بما فتح له، وهذا كقولك لمن تريد الاحتجاج عليه: بالله هل سألتني فأعطيتك، أم هل زرتني فأكرمتك؟ أي: فكما أن ذلك كذلك، فيجب أن تعرف حقي عليك، وإحساني إليك، ويؤكد ذلك عندي قوله تعالى: (إنَّا خَلَقْنَا الإنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (٢) إنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ) [الإنسان/ ٢ و ٣]، أفلا تراه، عز اسمه، كيف عدد عليه أياديه وألطافه له، فإن قلت: فما تصنع بقول الشاعر:

سائل فوارس يربوع بشدتنا ... أهل رأونا بسفح القف ذي الأكم

ألا ترى إلى دخول همزة الاستفهام على هل، ولو كانت على ما فيها من الاستفهام لم تلاق همزته لاستحالة اجتماع حرفين لمعنى واحد، وهذا يدل على خروجها عن حيز الاستفهام إلى معنى الخبر! قيل: هذا قول يمكن أن يقوله صاحب هذا المذهب، ومثله خروج الهمزة عن الاستفهام إلى التقرير، ألا ترى أن التقرير ضرب من الخبر، وذلك ضد الاستفهام! انتهى كلامه.

وأورد البيت صاحب "الكشاف" عند قوله تعالى: (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ) [الشعراء/ ٢٢١]، على أن أصل "من": أمن، فلا يرد أن "من" حرف استفهام، ودخل عليه حرف جر، والاستفهام له الصدارة، لأن الجار دخل على من، والاستفهام إنما يفهم من الهمزة المستلزم حذفها، فإذا أدخل الجار على من قدرت الهمزة على ما قبل الجار، فصار التقدير: أعلى من تنزل، نحو: أعلى زيد مررت؟ ومثله في حذف الهمزة هل، فإن أصله: أهل، كما صرح به في البيت، ولا يجوز أن يكون هل حرف للاستفهام، لأن الاستفهام لا يدخل على الاستفهام، بل بمعنى قد.

ورأيت في المجلس الواحد والثلاثين من "أمالي ابن الشجري" روي عن أبي أحمد عبد السلام بن حسين البصري أنه قال: كتب إلى شيخنا أبو القاسم الحسن بن بشر بن

<<  <  ج: ص:  >  >>