الدهر, لأن كل أسبوع بعده أسبوع آخر إلى آخر الدهر, يقول: هذه الليلة واحدة, أم ليالي الدهر كلها جمعت في هذه الواحدة حتى طالت وامتدت إلى يوم القيامة؟ ويريد بالتنادي يوم القيامة, والله تعالى سمى يوم القيامة يوم التناد, لأن النداء يكثر في ذلك اليوم, ويكون هذا كقوله:
كأن أول يوم الحشر آخره
وقال ابن جني: يريد تنادي أصحابه بما يهم به, ألا ترى إلى قوله بعده:
أفكر في معاقرة المنايا ... وقود الخيل مشرفة الهوادي
وعلى هذا استطال الليلة التي عزم فيها على الحرب شوقًا إلى ما عزم عليه. انتهى.
وإنما خص الليل بالطول دون الأيام, لأنهم يستطليلون ليالي السهر والفكر, وتتضاعف فيه الغموم والهواجس, وكذلك عند الأطباء أن الأمراض تشتد ليلًا, لأن طبعه الضم والقبض والخثورة والجمود, وبالنهاء تنفش البخارات عن البدن, وتنحل أجزاء العلل, وليس بين الشعراء وبين الأيام ت علق في أمر ما يسهر, بل يقولون: إن المحزون والمغنم ينشرح صدره ويخف ما به لمحادثة الناس وملاقاة الأشخاص, كما قال ابن الدمينة:
أقضي نهاري بالحديث وبالمنى ... ويجمعني والهم بالليل جامع
وقال الطرماح:
على أن للعينين في الصبح راحة ... لرميهما طرفيهما كل مطرح