ولا يشبه قوله: إذا شاء طالع مسجورة, فقد جعل ذلك له متى شاء, وجعلها مماوءة, فلهذا أخر سيبويه معنى الجزاء, ولم يرد أن الجزاء مراد الشاعر, وإنما أراد أن مل هذا لو وقع في كلام غير هذا البيت, لجاز فيه هذا التأويل, لا أنه مراد الشاعر. وأما قوله: لايجوز إلقاء ما من إما إلا في غاية الضرورة, فكذا قال سيبويه: إنه لا يجوز إلا في الشعر للضرورة, وقد وافقه على ذلك, وليس بين القولين فرق غير زيادته: «غاية» , ومع هذا فالعرب تحذف من نفس الكلمة للضرورة مع زوال اللبس, فما بالها لا تحذف الزوائد للضرورة مع زواله, وما هنا زائدة في إما, وقد دال على صحة ذلك وجوازه في الشعر بالبيت الذي قبله, وهو:
فإن جزعًا وإن إجمال صبر
وأما قوله: إن التكرار يلزمها, فليس الأمر على ذلك, لأن الأولى إنما هي زائدة ليبادر المخاطب إلى أن الكلام مبني على الشك أو التخييل, والعمل على الثانية, والأولى زائدة, وليست توجب في الكلام معنى غير معنى الثانية, وسبيلها في ذلك سبيل لا إذا قلت: ما قام لا زيد ولا عمرو, فإن شئت أكدت النفي, وزدت لا, وإن شئت حذفتها, إلا أن الحذف في الأولى أكثر في كلامهم منه في إما, ولا أعلم أحدًا من النحويين المتقدمين يمنع من إجازة حذفها في قولك: خذ الدرهم وإما الدينار, وجالس زيدًا وإما عمرًا. فقياسها ما ذكرت لك في لا, والكلام لا يلتبس بطرحها, ومعناه بنقصانها كمعناه بزيادتها, فما الذي منع مع هذا كله من تجويز طرحها؟ وقد يطرح من الكلام ما هو أولى بالإثبات منها. انتهى كلامه.
ولا يخفى أن حذفها خاص بالشعر. وجواز حذفها في الكلام لا قائل به, وأما قوله: لا أعلم أحدًا من النحويين المتقدمين .. الخ, فالمنقول عنهم خلاف