في بقرى، وذلك أن ضمير الشيء هو الشيء في المعنى، وكما جاز أن يجري "حين" حالًا من نفس لهفى، كذلك يجوز أيضًا أن يجري "حين" حالًا من ضميره. ولا يجوز أن تجعل بقرى ولا "حين" صفة للهفى من حيث كان الظرف نكرة ولهفى معرفة، ولا يجوز أيضًا أن يكون حين حالًا من نفس قرى على قولك: زيد في الدار مجددة؛ لأن "قرى" جثة "وحين" ظرف زمان، فكما لا يجوز لظروف الزمان أن تكون أخبارًا عن الجثث، كذلك لا يجوز أن تكون صلات لها، ولا صفات، ولا أحوالًا، ويجوز أن تجعل بقرى حالًا من الألف في لهفى، وذلك أنها ياء ضمير المتكلم، فإنما أراد: يا لهفي، فأبدل الياء ألفًا تخفيفًا، كقولك: يا غلاما، وأنت تريد يا غلامي، فيكون معنى هذا: تلهفت وأنا بقرى، أي: كائنًا هناك، وحاصلًا هناك.
كما أن معنى الأول لو أنثته: يا لهفتي كائنة في ذلك الموضع، فيكون بقرى في هذا الأخير حالًا من المنادى المضاف، كقوله:
يا بؤس للجهل ضرارًا لأقوام
أي يا بؤس الجهل أدعوه ضرارًا.
ومثله بيت النابغة:
يا دار ميّة بالعلياء فالسَّند
أي أدعوها عالية كائنة في هذا الموضع.
وإذا جعلت بقرى حالًا من الياء التي انقلبت ألفًا، كان العامل نفس اللهف انتهى كلامه، ولفوائده نقلناه برمته.