وقال شارح آخر نزل الاشتغال بحمايتهم – لما فيه من الفتور عن مقاومة الأعداء ومصادمة الأحزان – منزلة إعانة الأعداء، فسماه إعانة. انتهى. وأقول: المعنى الذي ذكروه ليس معنى البيت ولا يؤخذ منه ولا يطمئن به الطبع السليم، والله تعالى أعلم بحقيقته.
وقوله: لنا تنتان ... إلخ، يريد أن الأعداء، لما رأوني هناك مع رجال قليلة طمعوا فيّ وقالوا: نخيرك بين شيئين: إما أن تستأمر فتسلم من القتل، وإما أن تحارب فتقتل. وقوله: لنا ثنتان، أي: لنا حالتان ثنتان، يريد: عندنا لك حالتان، وثنتان: مبتدأ، ولنا: خبر، والجملة مقولة القول، وصدور رماح وسلاسل: بدل منهما، وهذا المعنى ظاهر من السياق، لكن يخالفه قول ابن جني فيما سبق، أي: يكون بعضنا كذا وبعضنا كذا، فإنه يقتضي أن تكون هاتان الحالتان صفتين للمتكلم، ويكون مدح قومه بأنهم لا يفرون، بل بعضهم يقتل وبعضهم يؤسر، وهذا خلاف السياق.
وقد تبعه التبريزي والطبرسي فقالا: والمراد بقوله: لابد منهما، على سبيل التعاقب، لا على سبيل الجمع بينهما، وإلا سقط التخيير الذي أفاده، أو فمعناه: لا بد من أحدهما، وإن شئت كان على ظاهره لابد منهما جميعًا بصدور الرماح لمن يقتل، والساسل لن يؤسر، أي: يكون بعضنا كذا، وبعضنا كذا. ولمّا جعله صنفين، كان لكل واحد واحد؛ هذا أو هذا، فمن هنا دخله معنى "أو". انتهى.
ومحصل أول كلامه أن "أو" فيه للتخيير، ومعنى "لا بد منهما" أنه لابد منهما على سبيل التعاقب لا على سبيل الجمع، أي: لابد من أحدهما. فإن قلت: أين الطلب حتى يسوغ التخيير؟ قلت: سبق الخلاف فيه من نقل المصنف على أنه يحتمل أن يكون قوله: لنا ثنتان، في معنى الطلب، أي: ابذلوا لنا