للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلم يلبثوا لهواي، وكنت أحب أن أسبقهم بالموت فيبقوا بعدي، وإنما كنى عن موتهم بهواهم، لما كان في مقابلة قوله: هوي، فرام المطابقة بين اللفظين، كما قال تعالى: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ) [البقرة/ ١٩٤] فسمي جزاء الاعتداء اعتداء.

وأعنقوا: أسرعوا، ويجوز أن يكون المعنى: كنت أهوى أن أتقدمهم، لئلا أرى سوءًا فيهم، وهووا لبرِّهم بي ومحبتهم لي، أن لا يقاسوا فقدي، فتركوا هواي في بقائهم، وسارعوا لهواهم في التفادي من يوم موتي. ومعنى: تخرِّموا: أخذوا واحدًا بعد واحد.

وقال بعضهم: إنما قال: أعنقوا لهواهم، لأنهم أرادوا الهجرة والجهاد، فهاجروا إلى مصر وكان هواه أن يقيموا معه. وعلى هذا التفسير يكون معنى قوله: ولكل جنب مصرع، أي: موضع يصرع فيه فيموت، كما يقال: لكل إنسان تربة. وعلى ما تقدم؛ يجوز هذا، ويجوز أن يكون المصرع مصدرًا والمعنى: كل إنسان يموت، ويكون هذا الكلام بعد قوله: فتخرموا، تأسيًا وتسلّيًا. انتهى.

واستشهد النحويون بهذا البيت على قلب ألف المقصور ياء عند الإضافة إلى ياء المتكلم في لغة هذيل.

وقوله: فغبرت بعدهم ... البيت. أي: بقيت بعدهم بعيش ذي نصب، وأظن أن الغم قد تناهى، وقد استتبعت في اللحوق بهم. وأول البيت تألم، وآخره إظهار يأس. ويأتي شرحه إن شاء الله تعالى مستوفى في بحث "اللام".

وقوله: ولقد حرصت: البيت. قال المرزوقي: يقول على طريق التفجع: ولقد كان مني حرص بسبب المدافعة عنهم، ففاجأت المنية مقبلة غير مدفوعة، فإذا للمفاجأة،

<<  <  ج: ص:  >  >>