ومنها قتيبة بن مسلم الباهلي، تولى الإمارة في زمن عبد الملك، وفتح الفتوحات العظيمة، وعبر ما وراء النهر مرارًا، وجاهد في الكفار، وكان شجاعًا جوادًا حسن الأخلاق، ولم يكن يعاب إلا بأنه باهلي، وكان أصحابه يمازحونه بذلك ويحتمل. حكى أبو عبيدة قال: قدم رجل من بني سلول على قتيبة بن مسلم بكتاب عامله على الري، وهو يعلى المحاربي، فرآه على الباب قدامة بن جعفر، وكان كثير الإدلال عليه، فدخل على قتيبة فقال: ببابك ألام العربّ! فقال: ومن هو؟ قال: سلولي، رسول محاربي إلى باهلي، فتبسم قتيبة تبسم غضب، والتفت إلى مرداس الأسدي، فقال: أنشدني شعر الأقيشر، ففهم مرداس، فأنشده، وفيه تعريض بقدامة:
فتغير وجه قدامة، فقال قتيبة: هذه بتلك، والبادئ أظلم.
وروي أن قتيبة مازح أعرابيًا جافيًا، فقال: أيسرك أن تكون باهليًا أميرًا؟ فقال: لا واللهّ قال: فتكون باهليًا خليفة؟ فقال: لا والله! ولو أن لي ما طلعت عليه الشمس، قال: فيسرك أن تكون باهليًا، وتكون في الجنة مع ذلك؟ فأطرق، ثم قال: بشرط أن يعلم أهل الجنة أني باهلي، فضحك قتيبة من قوله.
ومنها الأصمعي: صاحب الأخبار والنوادر والمعرفة بلغات العرب وأيامها وأشعارها، حكى عن نفسه قال: لقيت صبيًا من الأعراب ما أظنه ناهز عشرين