بالحباء والكرامة. فلما بلغا محلمًا، وهو خليج بين الصفا والمشقر، ألقيا ثيابهما في سفينة وانحدرا، وكان المتلمس أسن من طرفة، فقال: ويحك يا طرفة، قد أنكرت نفسي أمر هذا الرجل، أما كان عنده ما يحبونا به حتى رمى بنا ما بين الحيرة وهجر؟ ! إنه ليريبني أمره! فأطعني، وفض خاتم كتابك وكتابي، ونعطيهما بعض الحاضرة، فإن يك فيهما ما نحب، وإلا ألقيناهما. فأبى طرفة أن يفعل، وأبى المتلمس إلا ارتيابًا له، وكان داهية، فمر به فتى، فقال له المتلمس: أتقرأ الكتب؟ قال: نعم، فدفع كتابه إليه، فإذا فيه ما يتخوف المتلمس، فقال لطرفة: ويلك أعطه كتابك يقرأه، فإن فيه مثل ما في كتابي، قال طرفة: ما حالي والله مثل حالك، لأن بني ثعلبة ليسوا كبني ضبيعة، فأخذ المتلمس كتابه فرمى به في الخليج وقال:
ألقيتها بالثِّني من جنب كافر ... كذلك أقنو كلَّ قطٍّ مضلَّل
الثني: منثنى النهر، وهو جانبه، والكافر هنا: النهر. ونجا المتلمس، فمضى هاربًا، وقال في ذلك:
من مبلغ الشعراء عن أخويهم ... نبًا فيصدقهم بذاك الأنفس
أودى الذي علق الصحيفة منهما ... ونجا حذار حبائه المتلمِّس