واشتوى له من كبد الناقة، وأطعمه من أطائبها. فلما أخذه الشراب سأله عن حاله وعياله، فعرف البؤس في كلامه، وأحاطت به بناته يغمزنه ويمسحنه، فقال: ما هذه الجواري حوالي؟ قال: بنات أخيك، وهن ثمان. قال: أما والله لئن بقيت لهن لأدعن شريدتهن قليلةّ وخرج ولم يقل فيه شيئًا. ووافى المحلق عكاظ، فإذا هو بسرحة قد اجتمع الناس عليها، وإذا الأعشى يقول:
لعمري لقد لاحت عيون كثيرة
إلى آخر القصيدة. فسلم عليه المحلق، فقال: مرحبًا بسيد قومه، ونادى يا معاشر العرب! هل فيكم مذكر يزوج ابنه ببنات هذا الشريف الكريم؟ فما قام من مقعده حتى خطبت بناته جميعًا.
قوله: لقد لاحت: نظرت وتشوفت إلى هذي النار، واليفاع: بالفتح: الموضع العالي، وجعلها في يفاع لأنه أشهرها؛ لأنها تصيبها الرياح فتشتعل. وهذه النار نار الضيافة، كانوا يوقدونها على الأماكن المرتفعة؛ لتكون أشهر وربما يوقدونها بالمندلي الرطب، وهو عطر ينسب إلى مندل، وهو بلد من بلاد الهند، ونحوه مما يتبخر به، ليهتدي إليها العميان، وأشعارهم ناطقة بذلك.
ونيران العرب على ما في كتاب "الأوائل" لإسماعيل الموصلي اثنا عشر نارًا:
أحدها: هذه، وهي نار القرى توقد لاستدلال الأضياف بها على المنزل. وأول من أوقد النار بالمزدلقة حتى يراها من دفع من عرفة قصي بن كلاب.
الثانية: نار الاستمطار، كانت العرب في الجاهلية إذا احتبس عنهم المطر يجمعون البقر ويعقدون في أذنابها وعراقيبها السِّلع والعشر، ويصعدون بها في