من الهجرة، فأنعم على الوفد وكساهم، ثم إن الأخطل وفد على عبد الملك، فدخل عليه الجحاف، فقال عبد الملك: أتعرف هذا يا أخطل؟ قال: ومن هو؟ قال: الجحاف، فقال الأخطل:
ألا سائل الجحَّاف هل هو ثائر .. بقتلى أصيبت من سليم وعامر
حتى فرغ من القصيدة، وكان الجحاف يأكل رطبًا، فجعل النوى يتساقط من يده غيظًا، ثم أجابه فقال:
بلى سوف نبكيهم بكلِّ مهنّدٍ ... ونبكي عميرًا بالرِّماح الشَّواجر
ثم قال: يا ابن النصرانية! ما ظننتك تجترئ علي بمثل هذا، ولو كنت مأسورًا لك! فحمَّ الأخطل خوفًا منه، فقال عبد الملك: أنا جارك منه، فقال: يا أمير المؤمنين هبك أجرتني منه في اليقظة، فمن يجيرني منه في النوم؟ ! ثم قام الجحاف، ومشى يجر ثوبه وهو لا يعقل، حتى دخل بيتًا من بيوت الديوان، فقال للكاتب: أعطني طومارًا من طوامير العهود، فأتاه بطومار ليس فيه كتاب، فخرج إلى أصحابه من القيسية، فقال إن أمير المؤمنين ولاني صدقات بكر وتغلب، فلحقه زهاء ألف فارس، فسار حتى أتى الرصافة، ثم قال لمن معه: إن الأخطل قد أسمعني ما علمتم، ولست بوال، فمن كان يحب أن يغسل عنه العار فليصحبني، فإني قد آليت أن لا أغسل رأسي حتى أوقع ببني تغلب، فرجعوا غير ثلاثمائة، فسار ليلته فصبح الرحوب، وهو ماء لبني جشم بن بكر رهط الأخطل، فصادف عليه جماعة كثيرة من تغلب، فقتل منهم مقتلة عظيمة، وأخذ الأخطل وعليه عباءة وسخة، فظنوه عبدًا فخلوا سبيله، فخشي أن يراه من يعرفه، فرمى بنفسه في جب، فلم يزل فيه حتى انصرفت القيسية، فنجا،