وليس في أبياته ما يدل على أن أصحابه في رأس جبل يخافون عدوًا، وهذا ذم، وإنما المعنى: أنا أنظر لهم وأصعد على موضع عال أرقب لهم وأنظر من يأتيهم، وأوفيت على الشيء: أشرفت عليه، وتقديره: أوفيت على مكان عال في جبل، والشمال بالفتح، ويكسر: الريح التي تهب من ناحية القطب، قال ابن بري: وقوله: ترفعن ثوبي شمالات، كلام منقطع مما قبله، كأنه استأنف الحديث، ولا تكون في موضع حال، لأن هذه النون لا تدخل على الحال. وقوله: أوفيت، أي: أوفيت مرقبة أو شرفًا في علم، لأنه يقال: أوفيت الجبل، وأوفيت فلانًا بمكان كذا. وقوله: شمالات: إشارة إلى شدة الريح واختلافها، ولذلك جمعها. انتهى كلامه.
قال السيوطي: قال صاحب "المصباح في شرح أبيات الإيضاح": يحتمل بقاء رب هنا على معناها من التقليل، لأن جذيمة ملك جليل لا يحتاج مثله إلى أن يتبدل في الطلائع، لكنه قد يطرأ على الملوك خلاف العادة، فيفخرون بما ظهر منهم عند ذلك من الصبر والجلادة. انتهى. ومنه أخذ الدماميني قوله: أقول: الافتخار بالتقليل قد يقع، لا من حيث قلته، بل من حيث كونه عزيز المنال، لا يوصل إليه إلا بشق الأنفس، فالظفر به مع هذه الحالة يناسب الافتخار، وحينئذٍ، فقول المصنف: إن التقليل لا يناسب الافتخار، إن قصده كليًّا منعناه، وإن قصده جزئيًا باعتبار البيتين اللذين أنشدهما وأمثالهما؛ فلا تعقب عليه، إذ ما وقع به الافتخار في البيت الأول هو لهوه بامرأة جميلة، وما افتخر به صاحب البيت الثاني هو إيفاؤه في جبل عالٍ، ورفع ريح الشمال لثوبه، وكل منهما ليس أمرًا عزيز المنال، ولا يحصل إلا بشق النفس، والافتخار بمثل ذلك لا يكون إلا