وقال الشوكاني في البدر الطَّالع (١): كان شديدَ الانحراف على أبي حَيَّان، كثيرَ المخالفة له، وذلك والله أعلم لكون أبي حيان منفردًا بهذا الفن في ذلك العصر غير مدافع عن السبق فيه ثم كان المنفرد بعده هو صاحب الترجمة وكثيرًا ما ينافس الرَّجلُ مَنْ كان قَبْلَه في رتبته التي صار إليها إظهارًا لفضل نفسه بالاقتدار على مزاحمته لمن كان قبله، أو بالتمكن من البلوغ إلى ما لم يبلغ إليه وإلَّا فأبو حَيَّان هو من التمكن من هذا الفن بمكان ولم يكن للمتأخرين مثله ومثل صاحب الترجمة، وهكذا نافس أبو حَيَّان من قبله، وهو الزَّمَخْشَرِيَّ، فأكثرَ من الاعتراض عليه لكون الزَّمَخْشَرِيُّ ممن تَفَرَّد بهذا الشَّأن، وإنْ لم يكن عصره متصلًا بعصره، وهذه دقيقة ينبغي لمن أراد إخلاص العمل أنْ يتنبَه لها فإنَّها كثيرةُ الوقوع، بعيدةُ الإِخلاص.
وقد تصدَّرَ صاحبُ التَّرْجَمة للتدريس وانتفع به النَّاس، وتفرَّد بهذا الفن، وأحاط بدقائقه، وحقائقه، وصار له من المَلَكة فيه ما لم يكن لغيره، واشتهر صِيْتهُ في الأقطار، وطارت مُصَنَّفَاتُه في غالب الدَّيار، ثم ذكر وفاتَه وشيئًا من شعره، وأَنَّه رثاه ابنُ نَبَاتة وغيرُه، ويكفي من التنويه بذكر هذا الفاضل ومن أراد الاطلاع على أحواله، والتَّوَسُّع في ترجمته فعليه بما كتبه فيه العُلماءُ مثل ابن حجر في "الدُّرر"، والسُّيوطي في "بغية الوعاة"، وصاحب "السُّحُبِ الوابلة"، و"مختصر الطبقات" لابن الشَّطِّي، وغيرهم، وله مصنفاتٌ كثيرةٌ ذكر الشَّوكانيُّ منها كتاب "مغني اللبيب عن كتب الأعاريب" وقال هو كتابٌ لم يُؤَلَّفْ مثلهُ في بابه، واشتهر في حياته، وله "تعليقٌ على أُلفية ابن مالك"، و"عمدة الطالب في تحقيق تعريف ابن الحاجب" مجلدان، و"رفع الخصاصة عن قراءة الخلاصة" أربع مجلدات، و"التحصيل والتفصيل لكتاب التذييل والتكميل" ثلاثة مجلدات، و"شرح الشَّواهد الكبرى"، و"شرح الشواهد الصغرى"، و"وقاعد الإِعراب"، و"شذور الذهب"، و"شرحه"، و"قطر النَّدَى" و"شرحه"، و"الكواكب الدُّرِّية شرح اللمحة البدرية" لأبي حيان، و"شرح بانت سعاد"، و"شرح البردة"، و"التذكرة" في خمس عشرة مجلد، و"شرح التسهيل" لم يُبَيِّضْهُ.