ارتحل في طلب العلم إلى الرِّياض، فقرأ بها على علمائِها، ومن أجلِّهم الشَّيخُ عبد الله بن الشَّيخ عبد اللَّطيف، وغيره من علماء الرِّياض، وحصَّل واستفادَ، ووَليَ القضاءَ في أَبْها باليمن، ثم عُزلَ، وَوَليَ القضاءَ في بيشة، ثم عُزِلَ، وجُعل قاضيًا في تربة إلى أن توفي بها، وكان محمودَ السيرةِ في القضاء، كثير العبادةِ، حسنَ الأخلاقِ، خَشِنَ المَلْبَسِ والمأكلِ، متقشفًا، وَرِعًا، ذا أخلاقٍ حميدةٍ، وتوفي سنةَ سبعٍ وخمسين وثلاث مئة وألف عن أربعين سنةِ تقريبًا.
٣٠٠٩ - (ت ١٣٥٧ هـ): الشَّيخ عبد العزيز بن أحمد بن رشيد البدَّاح، الكُويتيُّ، الحنبليُّ، الفقيهُ المؤرِّخُ، الأديبُ الفَرَضيُّ، الحَيْسُوبُ، الكاتبُ، الخطيبُ، الأستاذُ، العلَّامة النَّحريرُ.
طلبَ العلمَ في الكويت، والعِراق، ومكة، وغير ذلك، وقرأ في بغداد على الشَّيخ شكري بن محمود الأَلُوسي، وغيرِهِ وحصَّل في كل العلوم مشاركةً قويةً، وتميَّز في الفقهِ والفرائضِ والأدبِ، والتَّاريخ، وكان شاعرًا مؤرِّخًا، خبيرًا بأحوال النَّاسِ ووقائعهم، ذا قلمٍ سيَّالٍ وذِهنٍ وَقَّادٍ، وعقلٍ راجحٍ نَقَّادٍ، وكان خطيبًا مِصْقَعًا، وليس له نظيرٌ في أبناءِ جِنسِهِ وأقرانِهِ، وكان بيني وبينه صُحبةٌ ومخالطةٌ في بلد الكُويت، وتَدُورُ بيني وبينه أبحاثٌ ومُطارَحاتٌ في أشياء كثيرة، فما رأيت مثلَهُ في تحقيقِ ما يتكلَّم به، وإطالة النَّفسِ في النُّقول، وسعة الاطلاع على أقوال النَّاسِ، وكثرةِ الكُتبِ المصنفةِ، وكان مُنفردًا في تلك الجهةِ في فنِّ الأدب، إلَّا أنَّه كثيرُ التقلُّب، لا يستقيمُ على طريقةٍ - سامَحَهُ اللهُ - وكان في مبدأ أمرِهِ محمودَ السيرةِ حسنَ الاعتقادِ على عقيدةِ السَّلفِ الصَّالحِ ومِنْهاجِهِم، شديدًا على المُبتدِعينَ، وله رُدودٌ كثيرة تَشْهدُ له بذلك، ثم لمَّا عُيِّن مدرسًا في المدرسة الأحمدية الكويتية، أكبَّ على مطالعةِ الكُتب العصريةِ، فانجذب إليها وغَلَبَ عليه ذلك، وصارَ منهجُهُ منهجَ العصريين الذينَ يُرجِّحون العقل على النَّقل، وتركَ كتبَ الحديثِ والفقهِ، ويَعيبُ من يُكثر مطالعتَها، فعِيْبَ عليه ذلك، وقد كان يحفظُ أكثر كتاب "دائرةِ المعارف" لفريد وجدي، لإكبابه على مطالعتها، كما أنَّه يستحضِرُ أَكثر عباراتِ "دائرة المعارف" للبُستاني، ثم لما فتَح جلالةُ الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل الحجاز، انتقلَ إليها مع أنَّه