ثم ورد عليّ غير كتاب بنحو من هذا، فلما خرجنا رُفعت المائدة والفرش وكل ما كان أقيم لنا، وأوصى وصية: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هذا ما أوصى به أحمد بن حنبل، أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وأوصى من أطاعه من أهله وقرابته أن يعبدوا الله عزّ وجلّ في العابدين، ويحمدوه في الحامدين، وأن ينصحوا لجماعة المسلمين، وأوصى أني رضيت بالله عزّ وجلّ ربًا وبالإِسلام دينًا وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبيًا، وأوصي أن لعبد الله بن محمد المعروف بفوران عليه نحو من خمسين دينارًا، وهو مصدق فيما قال، فيُقضى ماله عليه من غلة الدار إن شاء الله، فإذا استوفى ما كان له أعطي ولد صالح، وكل ذكر وأنثى، عشرة دراهم عشرة دراهم بعد وفاء مال أبي محمد، شهد أبو يوسف، وصالح، وعبد الله ابنا أحمد بن حنبل.
[أما ما جرى بينه وبين المتوكل بعد عوده من العسكر]
فقال صالح: كان رسول المتوكل يأتي إلى أبي يبلغه السلام ويسأله عن حاله بعد عوده من العسكر، فنسر نحن بذلك، وتأخذه نفضة حتى ندثره، ثم يقول: والله لو أن نفسي في يدي لأرسلتها، ويضم أصابعه ثم يفتحها، فقدم المتوكل ونزل الشماسة، يريد المدائن، فقال: يا صالح أحب أن لا تذهب إليهم ولا ترنيهم. قال: نعم، فلما كان بعد يوم وأنا قاعد خارجًا وكان يومًا مطيرًا إذا يحيى بن خاقان قد جاء والمطر عليه في موكب عظيم، فقال: سبحان الله لم تصر إلينا حتى تبلغ أمير المؤمنين عن شيخك حتى وجه بي. ثم نزل خارح الزقاق فجهدت به أن يدخل على الدابة فلم يفعل، وجعل يخوض الطين، فلما صار إلى الباب نزع جرموقًا كان على خفه ودخل البيت، وأبي في الزاوية قاعد عليه كساءٌ مرّقع، والستر الذي على باب البيت قطعة خيش، فسلَّم عليه وقبَّل جبهته وسأله عن حاله وقال: أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام، ويقول: كيف أنت في نفسك؟ وكيف حالك؟ قد أَنِسْتُ بقربك، ويسألك أن تدعو الله عزّ وجلّ له، فقال: ما يأتي عليّ يوم إلا وأنا أدعو الله عزّ وجلّ له، ثم قال