[(ذكر ماله ومعاشه وتعففه عن أموال الناس، وطلق نفسه عنها وقطع طمعه منها، وكرمه وجوده، وقبوله الهدية ومكافأته عليها]
كان رحمه الله قد خلف له أبوه طرزًا ودارًا يسكنها، وكان يكري تلك الطرز ويتعفف بكرائها عن الناس، وكان يقول: أنا أذرع هذه الدار التي أسكنها وأخرج الزكاة عنها في كل سنة، أذهب في ذلك إلى قول عمر بن الخطاب في أرض السواد.
وقيل له: يا أبا عبد الله هذا العقار الذي أنت تستغله وتسكن في دار منه كيف سبيله عندك؟ فقال: هذا شيء ورثته عن أبي، فإذا جاءني أحد فتصحح أنه له خرجت عنه ودفعته إليه.
وكان يقول: هذه الغلة ما تكون قوتنا، وإنما أذهب فيه إلى أن لنا فيه شيئًا. فقيل له: لو تركتَ الغلة وبضعتها صديقًا لك كان أحسن، فقال أحمد: هذه سوء، وهذه الغلة أعجب إليّ وهي لا تُقيمُنا وإنما آخذها على الاضطرار.
وجاءه بعض سكانه بدرهم ونصف، فلما وقع في يده قام ودخل منزله وبان السرور في وجهه.
وكان رحمه الله ربما احتاج إلى اللِّقاط، وخرج يومًا في اللِّقاط فلقط شيئًا يسيرًا، فقيل له: قد أكلت أكثر مما لقطت، فقال: رأيت أمرًا استحييت منه، رأيتهم يلقطون فيقوم الرجل على أربع، وكنت أزحف إذا لقطت.
وقال أحمد: خرجت إلى الثغر على قدمي فالتقطنا، وقد رأيت أقوامًا يفسدون مزارع الناس، لا ينبغي لأحد أن يدخل مزرعة رجل إلا بإذنه.
وكان رحمه الله ربما احتاج فينسخ بالأجرة، وقد أعوزته النفقة في سفره فأكرى نفسه من الجمالين.