فقلت لبعض من كان معنا: من هذا؟ فقال: هذا من صالحي الجن. ومات أحمد تلك الليلة.
وقال أبو زرعة: كان يقال عندنا بخراسان: إن الجن نعت أحمد بن حنبل بعد موته بأربعين صباحًا.
وقال صالح بن أحمد: كان أهلنا يذكرون أنهم كانوا يسمعون رنة لا تشبه رنة الإِنس من دار أبي إذا هدأت العيون بعد وفاته بأربعين صباحًا.
[أما التعازي به]
فذكر أولاده أن خلقًا كثيرًا عزوهم فيه، وأن جماعة من الصالحين لم يُعْرفوا جاؤوا للتعزية.
قال صالح: جاءنا كتاب المتوكل بعد أيام من موت أبي، وجاء كتاب أخ لي يعزيني عن أبي: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. أما بعد: فإن الله عزَّ وجلَّ حتم الموت على عباده حتمًا، عدلًا، على بريته كافة، قضاءً فصلًا حتى يأتي ذلك على جميع من ذرأ وبرأ، وكان ممن أتى عليه حتم الله عزّ وجلّ وقضاؤه: أبو عبد الله رحمة الله عليه. دعاه الله إليه فأجابه، راضيًا مرضيًا، نقيًا من الدَّنَس والعيب، طاهر الثوب، غير مبتدع، ولا ضالٍّ، ولا مُضلّ، ولا زائغ عن هدًى، ولا مائل إلى هوًى، لم يرهبه وعيد إلى أن نقله الله إليه وإلى جواره، فلمثل ما صار إليه من كرامة الله فليعمل العاملون، وعلى أن المصيبة به قد مضت، وأرمضت، وأبلغت من القلوب، فأنا أعزيك وعامة المسلمين ممن يقرأ كتابنا هذا بما أمر الله به، منجزًا لما وعد من صلاته ورحمته وهداه لمن احتسب، وصبر، وسلم، ورضي بحكم الله النافذ على جميع خلقه، فقد مضى على أحسن حالاته، وأحسن قصده وهديه، ثابت على حزمه وعزمه، أرَادَتْه الدنيا ولم يُرِدْها، لم تأخذه في الله لومة لائم، فقد كلم وثلم في الإِسلام فقده، وأنا أسأل الله الذي يجود بالجزيل ويعطي الكثير أن يصليَ على محمد عبده ورسوله، وأن يعطيَ أبا عبد الله أفضل ما أعطى أحدًا من أوليائه الذين خلقهم لطاعته، وأن يعليَ درجته، ويرفع ركنه، ويجعل مجلسه مع النبيَّين والصِّدِّيقين