[(ذكر ما جرى له مع ابن طاهر من طلب استزارته وامتناعه عليه، وما جرى له مع ولديه وعمه حين قبلوا صلة السلطان، وذكر الذين أجابوا في المحنة والذين لم يجيبوا)]
قال صالح: قدم محمد بن عبد الله بن طاهر فوجَّه إلى أبي: إني أحب أن تصير إليَّ، وتعلمني اليوم الذي تعزم عليه حتى لا يصير عندي أحد، فوجَّه إليه: أنا لم أخالط السلطان، وقد أعفاني أمير المؤمنين مما أكره، وهذا مما أكره، فجهد في أن يصير إليه فأبى، فكتب إلى إسحاق بن إبراهيم: إنَّي دخلت على طاهر بن عبد الله. فقال: يا أبا يعقوب: كتب إليّ محمد أنه وجَّه إلى أحمد ليصير إليه فلم يأته، فقلت: أصلح الله الأمير. إن أحمد قد حلف أن لا يحدِّث، فلعله كره أن يصير، إليه فيسأله أن يحدِّثه. فقال: ما تقول؟ قلت: نعم. قال صالح: فأخبرت أبي بذلك فسكت.
وإنَّما امتنع أحمد من زيارة ابن طاهر لأنه كان سلطانًا، وإلَّا فقد كان يزور أهل الدِّين والعلم.
وقال عبد الله بن أحمد: لما أطلق أبي من المحنة خشي أن يجيء إليه إسحاق بن رَاهُوْيَه، فرحل أبي إليه، فلما بلغ أبي إلى الرَّي دَخل أبي مسجدًا فجاءه مطر كأفواه القرب، فلما كانت العتمة قالوا له: اخرج من المسجد فإنَّا نريد أن نغلقه، فقال لهم: هذا مسجد الله وأنا عبد الله، فقالوا له: أيما أحبُّ إليك أن تخرج، أو أن تُجَرَّ بِرِجْلِكَ؟ فقال أبي: سلامًا، فخرج من المسجد والمطر والرعد والبرق، فكان لا يدري أين يضع رجله، ولا أين يتوجَّه، فإذا رجل قد خرج من داره فقال له: يا هذا أين تمر في هذا الوقت؟ فقال: لا أدري أين أمُرُّ. فقال له: أدخل فأدخله دارًا، ونزع ثيابه، وأعطوه ثيابًا جافة، وتطهَّر للصلاة، فدخل إلى بيت فيه كانون فحم ولبود ومائدة منصوبة، فقيل له: كُلْ فأكل معهم. فقال له: من أين أنت؟ فقال: من بغداد.