الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّم على خير خلقه النَّبي الأمين، وعلى آله وذرِّيته الطيبين الطَّاهرين، وعلى أصحابه أجمعين، وعلى أتباعه على دينه من التَّابعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين.
أما بعد: فلما كان فن التاريخ من أهم الفنون، إذ به يقف الباحث على أحوال سلفه الماضين في سالف القرون، ولما كان من أهم ذلك معرفة أصحاب كل مذهب لمن ينتحل ذلك المذهب ويقتفي أثر إمامه وأتباعه، فمن الواجب معرفة حاله وأحوالهم، ومشايخهم وتلامذتهم، ومصنَّفاتهم، وما لكلٍّ منهم من خصال حميدة أو غيرها، ودرجة كلٍّ منهم بالعلم والفقه أصولًا وفروعًا، إلى غير ذلك؛ ليكون على بصيرة بمن اتَّبعهم واقتدى بأقوالهم واختياراتهم.
فأقول وأنا العبد الضَّعيف صالحُ بن عبد العزيز بن علي بن عبد الرحمن آل اعثيمين الحنبليُّ النجديُّ القَصِيْمِيُّ البُرَدِيُّ:
هذا كتاب جمعته من عدة أسفار متنوعة المآخذ والتأليف، جمعت فيه ما وجدت من تراجم أصحابنا الحنابلة، لا زالت سحائب الرحمة عليهم وابلة.
وقد سمَّيته "تسهيل السَّابِلَة لمريد معرفة الحنابِلَة" جمعته لنفسي، ولمن كان في درجتي في العلم من أبناء جنسي، مقرِّبًا في ذلك النائي البعيد، وخادمًا لهم ومتحملًا مشقَّة التفتيش والتنقيب، لأني وجدت الكثير من أصحابنا الحنابلة إذا أرادوا الوقوف على ترجمة بعض الحنابلة تعسَّر ذلك عليهم، أو تعذَّر؛ لقصور الهمم، وقلَّة الكتب المصنفة في هذا الباب الموجودة الجامعة لما يُطْلَب جمعه، وإن كان قد صُنِّف في هذا الباب كثيرٌ من التصانيف الجليلة الحافلة، كما سنذكر بعضها قريبًا، ولكنها قليلة الوجود بين أيدينا، ثم إذا وجد منها شيءٌ فهو قد صُنِّف في زمانٍ هِمَّةُ أهلِهِ عَاليةٌ،