بقدومك مخافَةَ أنْ أموت وأنت غائب، فيقعَ وهنٌ في المذهب وخلفٌ بينَ أصحابنا، وقد وقع مرةً بين النّاصحِ والشيخ الموفق اختلافٌ في فتوى في السماع، فأجاب فيها الشيخ الموفق بالإِنكار، فكتبَ النَّاصح بَعْدَه ما مضمونُه: الغناء كالشعر، فيه مذمومٌ وممدوح، فما قُصِدَ به ترويحُ النفس، وتفريج الهموم، وتفريغ القلوب، كسماع موعظة، وتحريك لتذكرة، فلا بأس به وهو حَسَنٌ، وذكر أحاديث في تَغَنَّي جُوَيْرِيَّات الأَنصار، في الغِناء في الأعراس، وأحاديث في الحداء. وأمّا الشَّبَّابة فقد سمعها جماعة مِمَّن لا يَحْسُنُ القدح فيهم من مشايخ الصوفية وأهل العلم، وإن امتنع من حضورها الأكثر، وكون النبي - صلى الله عليه وسلم - سدَّ أذُنَيْه عنها مشترك الدلالة، لأنه لم يَنْهَ ابنَ عمر عن سماعها، وأطال في ذلك، وقد رَدَّ الموفق مقاله لَمّا وَقَفَ عليه، فراجعه في طبقات ابن رجب، فإنَّهُ مهم جدًا، وله تصانيفُ، وكانَ حلوَ الكلامِ جيَّد الإِيراد، شهمًا، مَهيبًا صارمًا، وكان رئيسَ المذهب في زمانه بدمشق.
وقال أبو شامة: كانَ واعظًا، متواضعًا، متقِنًا، له تصانيفُ.
وقال المنذري: قَدِمَ يعني النّاصحُ مِصرَ مرتين، ووعظَ، ودَرَّسَ، وكان فاضلًا، وله مصنفاتٌ، وهو من بيت الحديث والفِقْه، حَدَّث هو وأبوه، وجَدُّه وجَدُّ أبيه، وجَدُّ جدِّهِ، لَقيتُه بدمشقَ، وسمعتُ منه.
وقال ابنُ رجب: سمع منه ابنُ النجَّار وغيرُه، وخَرَّجَ له البِرْزَالي، وروى عنه، وتوفي يومَ السبت ثالث المحرم سنة أربع وثلاثين وست مئة، وكانت وفاتهُ بدمشق، ودفن من يومهِ بتربتهم بسفح قاسيون. وذكره ابنُ رجب وأطال في ترجمته، وذكر له تصانيف منها: كتاب "أسباب الحديث" في عِدَّة مجلدات، وكتاب "الاستعاد بما لقيت من صالحي العباد في البلاد"، وكتاب "الإِنجاد في الجهاد"، وديوان خطب، ومقامات، وتاريخ الوعاظ وأشياء في الوعظ.
١١٥٩ - (ت ٦٣٤ هـ): أحمد بن أكمل بن أحمد بن مسعود بن عبد الواحد بن مطر بن أحمد بن محمد، الهاشمي، العباسي، أبو العَبَّاس، البغدادي، الفقيه، الحنبلي، الخطيب، المعدل.