للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال ابن العماد (١): ولد بدمشق ليلةَ الجمعة، سابع عشر شوال، سنة أربعٍ وخمسين وخمس مئة، وسَمِعَ بها من القاضي أبي الفَضْل الشَّهْرُزُوْرِي، وجماعة، ورحل إلى البلاد، فأقام ببغداد مدةً، وسَمِعَ بها من شُهْدَة، والسَّقْلَاطُوني، وخلائق، وسمع بأصبهان من أبي موسى المَدِيني، وهو آخر مَنْ سَمِعَ منه في مرضِ موته، وسمع بالمَوْصِل من الشيخ أبي أحمد الحَدَّاد الزاهد شيئًا من تصانيفه، ودخل بلادًا كثيرةً، واجتمعَ بفضلائها وصالحيها، وفاوَضَهم، وأخَذَ عنهم، وقَدِمَ مصر مَرَّتين، وتَفَقَّه ببغداد على ابن المَنَّي، وأبي البَقاء العُكْبَري، وقرأ عليه "فصيح ثعلب" مِنْ حفظه، وأخذ عن الكمال السَّنْجاري، واشتغل بالوَعْظِ وبَرَع فيه، ووعظ مِن أوائِل عُمُرِه، وحَصَل له القَبولُ التامُّ، وقد وعظ بكثيرٍ من البلاد التي دخلها، كمِصْرَ، وحلب، وإِرْبِل، والمدينة النَّبويَّة، وبيتِ المقدِس، وكان له حُرْمَةٌ عند الملوك والسلاطين خصوصًا ملوك الشام بني أيوب، وحضر فتح المقدس مع السلطان صلاح الدين. قال: واجتمعت بالسُّلْطَان في القُدْس بعد الفتح بسنتين، وسألني عن أشياء كثيرةٍ منها الخِضَابُ بالسَّوَاد، فقلتُ: مكروهٌ، ومنها: أربعةٌ من الصحابة من نسلٍ واحدٍ، رأوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: أبو بكر الصديق، وأبوه أبو قحافة، وعبد الرحمن بن أبي بكر، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر. ثم أخذ السلطان يثني على أبي ويقول: ما أولد إلّا بعد الأربعين.

قال: وكان عارفًا بسيرةِ والدي، ودَرَّسَ النَّاصِحُ بمدارسَ منها: مدرسة جَدَّهِ شرف الإِسلام بالمسمارية، ثم بَنَتْ له الصاحبةُ ربيعةُ خاتون مدرسة بالجَبَل وهي المعروفةُ بالصاحبية، فدرس بها سنة ثمانٍ وعشرين وست مئة، وكان يومًا مشهودًا، وحضَرَتِ الواقفةُ مِن وراءِ السَّتْر، وانتهت إليه رئاسة المذهب بعد الشيخ موفق الدين بن قُدامة، وكان يُساميه في حياتهِ.

قال النَّاصِحُ: وكنتُ قَدِمتُ من إِرْبل سنة وفاةِ الشيخ الموفق، فقال لي: سُرِرْتُ


(١) شذرات الذهب: ٥/ ١٦٤.