ولايتهِ يُؤَذَّنُ ببابه في مجلس الحكم، ويصلي جماعةً، ويخرج إلى الجامع راجلًا، وكان يلبس القُطْنَ، متحريًا في القضاء، قويَّ النَّفسِ في الحق، ويتخلَّقُ بسائر سيرةِ السَّلَفِ، ولا أعلمُ أحدًا دُعِيَ من أصحابنا بقاضي القُضَاة قبْله، ولا استقل منهم بولايةِ قضاءِ القُضَاة بمصر وغيرها غيرُه، وتَفَقَّه عليه جماعةٌ وانتفعوا به، وسمع منه الحديثَ خلقٌ كثيرٌ وروى عنه جماعةٌ منهم عبدُ الصَّمَد بنُ أبي الجَيْش، وتوفي سَحَر يومِ الأحد، سادس عشر شوال، سنة ثلاثٍ وثلاثينَ وست مئة، ودُفِنَ بتربة الإِمام أحمد. انتهى المراد منه.
وقد أطال ابنُ رجب في ترجمته وذكر له مصنفاتٍ:"إرشاد المبتدئين" في الفقه، وخَرَّجَ لنفسه أربعين حديثًا، وذكر غيرُهُ له أمالي في الحديث.
١١٥٥ - (ت ٦٣٤ هـ): محمد بن أحمد بن عمر بن الحسين بن خلف، البغدادي، القطيعي، الأَزَجي، المؤرَّخ، الحنبلي.
سبق ذكر أبيه سنة ثلاثٍ وستين وخمس مئة، أما محمد هذا. فقال ابنُ العماد (١):
أسمعه أبوه من ابن الخَلَّ الفقيه، وأبي بكر بن الزَّاغُوني، ونصر العُكْبَري، وسَلْمَان بن حامد الشَّحَام، وتَفَرَّدَ في وقتِه بالرَّواية عن هؤلاء، وأسمعه أيضًا من أبي الوقت "صحيحَ البخاري"، وهو آخر مَنْ حدَّث به عنه، ثم طلب هو بنفسه وسمع من جماعة، ورحل وسمع بالمَوْصِل، ودمشق، وحَرَّان، ثم رجع إلى بغداد، ولازم ابنَ الجَوْزِي مدةً، وأخذ عنه وقرأ عليه كثيرًا من تصانيفه ومَرْوِيَّاتِه، وشَهِدَ عند القضاة مدةً، واستُخْدِم في عِدَّةِ خِدَم، وأسَنَّ وانقطع في منزله إلى حين وفاته وكان يخضب بالسَّواد، ثم تركه قبل موته بمدة، وقد وصفه غيرُ واحدٍ من الحُفَّاظ وغيرهم بالحافظ، وأثنى عليه عمرُ بنُ الحاجب، وَحَدَّثَ بالكثير ببغداد، والمَوْصِل، وروى عنه جماعةٌ كثيرون منهم الشيخُ تقيُّ الدين الواسطيُّ.